ترامب في الرياض.. تتويج لعقود من التضليل العقائدي
ترامب في الرياض.. تتويج لعقود من التضليل العقائدي
يمني برس || محمد محسن الجوهري*
زيارة ترامب للسعودية ودول الخليج، وما جناه هناك من إنجازات كبيرة بداية بمليارات السعودية وتطبيع سورية، كلها ثمار الفكر الوهابي الذي قدم الأمة لأعدائها الصهاينة على طبق من ذهب، بعد أن سلبها من عوامل القوة التي كانت بحوزتها، فصارت تدفع الجزية عن يد لليهود، وصار أقصى ما يتمناه قادتها أن يرضى عنهم حاكم البيت الأبيض.
فالزيارة للسعودية ودول الخليج ليست حدثًا معزولًا عن السياق الفكري والسياسي الذي مهّد لها منذ عقود، بل كانت محطة جديدة في مسلسل الهيمنة الغربية على الأمة، وهيمنة الفكر الوهابي على عقلها السياسي والديني. جاءت الزيارة كتكريس لتحوّل استراتيجي في المنطقة: من المقاومة والممانعة إلى الخضوع الكامل تحت مظلة البيت الأبيض وتل أبيب.
وما كان لترامب أن يدوس الأمة بهذه السهولة لولا عقود التضليل الديني الذي أسسته بريطانيا قبل أكثر من قرنين، وفرضته عبر النظام السعودي في دولٍ كثيرة، منها سورية، لضرب الأمة الإسلامية من الداخل، وجعلها طيعة أمام المشاريع الصهيونية. ويتجلى ذلك في لهث الحاكم السوري الجولاني وراء ترامب، واستعداده للتطبيع وتسليم بلاده للهيمنة الغربية مقابل بند لا قيمة له فعلياً، وهو رفع العقوبات الأمريكية على سورية.
إن العقائد الباطلة تظهر من خلال التعامل مع أعداء الأمة. فالفكر الوهابي كان حاضراً في كل البلاد الإسلامية لتدميرها وزرع الفتن الداخلية، بالمقابل كان متقرباً من اليهودية، وداعياً إلى التصالح معها، ومعاداة كل من يعاديها، حتى أصبح المجاهدون في فلسطين ولبنان غرباء في موقفهم المدافع عن الدين والوطن. وبات العملاء يجاهرون بعمالتهم للصهاينة، بعد أن أحلها شيوخ الوهابية لهم، وجعلوا من الصهيونية دينهم الجديد، رغم أنهم ظاهرياً أحرص الناس على أداء الطقوس الشكلية للدين.
زيارة ترامب هذه المرة لم تكن كسابقاتها، حيث لم يكتفِ بالحصول على مليارات السعودية وصفقات التسلح، بل شاهد بعينه كيف أن من كانوا يُحسبون على “الممانعة”، يتسابقون لإرضائه. وكيف أصبحت سورية العروبة ملعباً للصهيونية بفضل الفكر الوهابي والمال الخليجي. وهكذا، تحوّل من ادّعى تمثيل الثورة السورية إلى وكيل أمريكي يسعى لنيل الشرعية الدولية مقابل الخروج النهائي من معادلة العداء للكيان المؤقت. وهذا المشهد لم يكن ممكنًا لولا الخلفية الفكرية التي روّجت لها السلفية الوهابية، والتي ترى أن الطاعة للحاكم – حتى لو كان خائنًا – مقدمة على كل اعتبار، وأن “الفتنة” في مقاومة المستعمر، لا في مبايعته.
لا تختبر العقائد بالألفاظ، بل بالمواقف. وعندما يتكشّف الغطاء، يظهر الحق من الباطل في الموقف من أعداء الأمة. الفكر الوهابي لم يكن يومًا عدوًا حقيقيًا للصهيونية؛ بل تماهى معها في الأهداف، إذ رأى في المقاومة الإسلامية في فلسطين ولبنان “خروجًا على الجماعة”، واعتبر العداء لـ”إسرائيل” خروجًا عن “المنهج السلفي” الذي يدعو للسكوت عن الطغاة، ومهادنة الغزاة.
في المقابل، لم يوفر هذا الفكر جهدًا في تكفير المجاهدين، وتخوين المقاومين، وتأليب الناس على كل من يرفع السلاح ضد المحتل. فصار المقاوم في غزة أو جنوب لبنان غريبًا في أمته، بينما صار العميل المتصهين يحتل المنابر، ويُشار إليه بالبنان، وتُفتَح له أبواب العواصم، ويُقدَّم كـ”معتدل” يستحق الشراكة السياسية.
لقد صنع الوهابيون دينًا جديدًا بملامح إسلامية، لكن بجوهرٍ صهيوني. دينٌ لا يرى في الصلاة إلا حركات، ولا في الحج إلا فُرجة على البذخ، ولا في القرآن إلا سببًا للتفرقة. دينٌ يعادي كل من يعادي أمريكا، ويكفّر كل من يقاوم “إسرائيل”. دينٌ يرفع راية التوحيد، لكنه يسجد للهيمنة الغربية، ويُحِلُّ بيع الأوطان مقابل فتوى رخيصة.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب