المنبر الاعلامي الحر

فشل أمريكي أمام إيران ..والتسريبات تشهد

يمني برس || مقالات رأي:

في تطور يكشف التحوّلات العميقة في موازين القوة بالمنطقة تكشّفت الاعترافات الغربية واحدة تلو الأخرى عن فشل الهجمات الأمريكية والإسرائيلية في تدمير البرنامج النووي الإيراني. تصريحات متقطعة وتقارير استخبارية مُسرّبة بل وحتى تلميحات على لسان مسؤولين باتت تشكّل مشهداً متكاملاً: الضربات لم تحقق أهدافها وإيران خرجت من الجولة أكثر تماسُكاً.

وفي خضم هذه التطورات والتحولات كشفت تقارير إعلامية غربية بارزة أن الضربات الأمريكية التي استهدفت منشآت نووية إيرانية لم تحقق أهدافها. وأبرز هذه التقارير ما بثته شبكة سي إن إن والتي أكدت أن الضربات فشلت في تدمير القدرات النووية الإيرانية مشيرة إلى أن تأثيرها كان محدوداً وغير حاسم. الأمر نفسه أكدته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية التي نقلت عن مسؤولين أوروبيين قولهم إن مخزون اليورانيوم المخصب لدى إيران لم يتعرض لأضرار حقيقية وأن قدرات طهران النووية لا تزال قائمة بل وربما أكثر استعداداً للتقدم.

وبالتالي فشل الهجمات لم يكن مجرد خطأ تكتيكي. بل مثّل صفعة استراتيجية مدوية لمنظومة الردع الغربية التي راهنت لعقود على أنّ الخيار العسكري هو العصا التي تلوّح بها واشنطن وتل أبيب لمنع إيران من التقدّم النووي. لكن إيران،لا فقط صمدت بل أثبتت أنها طورت منظومتها الدفاعية والنووية بطريقة جعلت من ضرب منشآتها أمراً مكلفاً وغير مجدٍ.
هذه الاعترافات الغربية تعكس عمق المأزق الأمريكي في التعاطي مع إيران. فحين تعجز آلة الحرب الأمريكية بكل ما تمتلكه من تقنيات وتخطيط عن تقويض برنامج نووي ظل محاصراً ومراقباً لعقود فإننا أمام تحوّل استراتيجي في ميزان الردع.

منذ اللحظة التي أعلنت فيها واشنطن عن شن هجمات على منشآت إيرانية كانت النية المعلنة هي توجيه ضربة قاصمة تُجبر إيران على العودة إلى الطاولة بشروط أمريكية. لكن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن. فإيران لم تُجبر على التراجع ولم تستسلم بل استثمرت هذا التصعيد لتأكيد صلابة بنيتها النووية وتحصين موقعها التفاوضي.

وبعد هذه الضربة الفاشلة انحدرت إدارة ترامب بسرعة نحو خطوات توحي بضعف لا يتماشى مع خطابها الناري. فقد تم إعلان وقف إطلاق النار من طرف واحد دون الحصول على أي تنازل إيراني بالمقابل، ثم تلاه ضغط أمريكي غير مباشر على تل أبيب لوقف عدوانها حتى لا يتسبب في انفجار إقليمي واسع يصعب احتواؤه.

ولم يقف الأمر عند وقف التصعيد بل تجاوز إلى ما هو أعمق: عرض أمريكي لاتفاق شامل يتضمّن تنازلات كبرى لصالح إيران تشمل تخفيف العقوبات وتقديم ضمانات اقتصادية ودبلوماسية. إنها ليست اتفاقية تفاوض متكافئ بل استجابة اضطرارية أملتها موازين القوى الجديدة.

دونالد ترامب يخرج على الإعلام بتصريحاته “الترامبية” المعهودة يهاجم إيران تارة ويتوعدها تارة أخرى ويعِد الأمريكيين بـنصر ساحق لم يأتِ. هذه التصريحات لا تعكس فقط اضطراباً في القرار السياسي الأمريكي بل تكشف أيضاً محاولة مكشوفة لطمس الفشل العسكري عبر الضجيج الإعلامي.

ترامب يعلم جيداً أن الاعتراف بالفشل أمام إيران سيكون بمثابة انتحار سياسي داخلي لذا اختار أن يخفي الحقيقة خلف ستار من العنتريات الخطابية محاولاً خداع الداخل الأمريكي بإيهامٍ بالسيطرة في حين أن الواقع على الأرض مختلف تماماً.

ختاماً المشهد اليوم أكثر وضوحاً من أي وقت مضى: الضربة العسكرية لم تُسقط النووي الإيراني والرد الأمريكي جاء مخضّباً بالتنازلات بينما تحاول واشنطن تجميل الهزيمة بلغة المنتصر. ما لم تدركه الإدارة الأمريكية هو أن إيران لم تعد الملف الأسهل في الشرق الأوسط بل باتت رقماً صعباً يعيد تشكيل معادلات الردع والتحالفات ويجبر حتى أقوى الدول على تغيير خطابها.

 

بقلم/عبدالمؤمن جحاف*

 

قد يعجبك ايضا