المنبر الاعلامي الحر

الدين الفيدرالي الأمريكي يتجاوز 36 تريليون دولار: تحذيرات من أزمة مالية ممتدة

واشنطن تواجه تحديات اقتصادية متزايدة وسط تصاعد العجز وارتفاع نسب الفائدة

في الوقت الذي تقدم فيه الولايات المتحدة نفسها كقوة اقتصادية عالمية ذات نفوذ سياسي ومالي واسع، يكشف الواقع عن صورة مقلقة تتعلق بأحد أعمدتها الاقتصادية: الدين الفيدرالي المتفاقم بوتيرة تنذر بالخطر. فقد تخطى الدين العام الأمريكي حاجز 36 تريليون دولار مطلع عام 2025، وهو رقم لم يكن يتخيله أكثر المحللين تشاؤمًا قبل عقدين فقط.

لكن ما يثير الدهشة ليس الرقم فحسب، بل السياسات التي قادت إليه؛ إذ تشير تقارير اقتصادية دولية، من بينها دراسات صادرة عن صندوق النقد الدولي (IMF) ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، إلى أن الولايات المتحدة قد وقعت في فخ سياساتها المالية التوسعية غير المستدامة، متجاهلة تحذيرات متكررة من التضخم المالي، واستنزاف الموارد، والانفاق المفرط على حروب خارجية ومشاريع لا تولد عائدًا اقتصاديًا داخليًا.

يمني برس | ماجد محمد

لقد رصدت تقارير أوروبية وآسيوية، خاصة من الصين وروسيا، أن واشنطن باتت تعتمد بشكل متزايد على طباعة الأموال واقتراضها داخليًا وخارجيًا للحفاظ على نفوذها السياسي والعسكري، دون وجود سياسة اقتصادية متزنة توازن بين النمو الحقيقي والاستدانة الآجلة.

بل إن بعض المحللين وصفوا النموذج الأمريكي الحالي بأنه “اقتصاد على حافة الانهيار المؤجل”، وأن استمراره بهذه الطريقة يهدد ليس فقط التوازن المالي المحلي، بل يضع الاقتصاد العالمي في مهب أزمة جديدة، خاصة مع الارتباط الوثيق للدولار الأمريكي في الأنظمة النقدية العالمية.

من هنا، فإن أزمة الدين الفيدرالي لم تعد شأناً أمريكياً داخلياً فقط، بل تحوّلت إلى قضية دولية تعكس عمق الخلل في التوجهات الاقتصادية الأمريكية، وتطرح تساؤلات عن استدامة الهيمنة المالية للدولة التي تطالب العالم بالتقشف، بينما تغرق هي في بحر من العجز والديون.

 أرقام قياسية غير مسبوقة
سجّل الدين الفيدرالي الأمريكي مع مطلع عام 2025 مستوى قياسيًا بلغ 36.1 تريليون دولار، وفق بيانات وزارة الخزانة الأمريكية. ويتوزع هذا الدين بين ديون مملوكة للجمهور بقيمة 28.8 تريليون دولار، وديون بين الحسابات الحكومية بقيمة 7.3 تريليون دولار.
وتشير الإحصاءات إلى أن الدين العام ارتفع بنسبة 123% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يعكس حجم الضغط الذي تواجهه الحكومة في ظل عجز مالي متزايد.

جذور الأزمة: تاريخ من التوسع في الإنفاق
منذ تأسيس الولايات المتحدة في عام 1791، بدأت الديون تتراكم تدريجيًا، لكنها شهدت طفرات كبيرة خلال الحروب والأزمات الاقتصادية.
في عام 1835، كانت الولايات المتحدة شبه خالية من الديون، لكن الحرب الأهلية الأمريكية والحربين العالميتين، ثم الأزمات المالية الحديثة، مثل الركود الكبير (2008) وجائحة كوفيد-19 (2020)، أعادت تصعيد مستويات الدين بوتيرة غير مسبوقة.

السياسات الحكومية: ارتفاع في النفقات وتراجع في الإيرادات
تسببت السياسات التحفيزية، بما فيها حزم الإنقاذ المالي وتخفيضات الضرائب، في زيادة الفجوة بين الإنفاق والإيرادات.
ففي الفترة ما بين عامي 2019 و2021، ارتفع الإنفاق الفيدرالي بنسبة 50% نتيجة جائحة كوفيد-19، وهو ما دفع الدين إلى مستويات مرتفعة خلال وقت قصير.

الكونغرس يرفع سقف الدين وسط انقسام سياسي
في 22 مايو 2025، أقرّ مجلس النواب الأمريكي مشروع قانون لرفع سقف الدين بمقدار 4 تريليونات دولار، بأغلبية 215 صوتًا مقابل 214.
ويُقدّر مكتب الميزانية بالكونغرس أن القانون سيرفع العجز بمقدار 3.3 تريليون دولار خلال العقد المقبل، مما يضيف أعباء جديدة على الاقتصاد الفيدرالي.

 تكلفة خدمة الدين: الفائدة تلتهم الميزانية
أدى ارتفاع أسعار الفائدة إلى زيادة تكاليف خدمة الدين، حيث يُتوقع أن تضيف هذه التكاليف نحو 2.5 تريليون دولار على مدى العقد القادم.
وتعد هذه التكاليف من أبرز التحديات التي تواجه الحكومة في إدارة الدين العام، خاصة أن أغلب الاستدانة الأمريكية مرتبطة بسندات طويلة الأجل.

 برامج الضمان الاجتماعي والتقاعد تحت الضغط
تشير التقارير إلى أن برامج الرعاية الصحية والتقاعد ستشكل ضغطًا طويل الأجل على الميزانية الفيدرالية.
ويُتوقع أن تصل الفجوة بين النفقات والإيرادات إلى نحو 6.5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية السنة المالية 2025، ما يعني أن هذه البرامج قد تصبح غير قابلة للاستدامة دون إصلاحات هيكلية.

 خيارات محدودة أمام وزارة الخزانة
بعد تعليق العمل بسقف الدين في يناير 2025، بدأت وزارة الخزانة باستخدام “إجراءات استثنائية” للحفاظ على قدرتها في الوفاء بالالتزامات المالية.
وقدّرت تقارير الميزانية أن هذه القدرة ستستمر حتى منتصف سبتمبر 2025، قبل أن تبدأ الموارد النقدية في النفاد، ما يستدعي تحركًا عاجلًا من الكونغرس.

 نظرة إلى المستقبل: هل تستعيد أمريكا توازنها المالي؟
يحذر خبراء الاقتصاد من أن استمرار هذا الاتجاه دون ضبط للنفقات أو إصلاح ضريبي شامل قد يؤدي إلى أزمة ديون تهدد الاستقرار الاقتصادي للولايات المتحدة.
ووفقًا لمكتب الميزانية، فإن العجز المزمن والمستويات التاريخية من الدين قد يضعفان قدرة البلاد على الاستجابة للأزمات المستقبلية، سواء كانت اقتصادية أو جيوسياسية.

قد يعجبك ايضا