الصمود الغزاوي يُسقط أوهام “الجيش الذي لا يُقهر” ويُربك العمق الإسرائيلي!
الصمود الغزاوي يُسقط أوهام “الجيش الذي لا يُقهر” ويُربك العمق الإسرائيلي!
يمني برس | تقرير | يحيى الربيعي
يتجلى الصمود الأسطوري في غزة كقصة ملهمة تتحدى كل التوقعات، حيث الملحمة الحقيقية التي كشفت وهن “الجيش الذي لا يقهر” وأربكت العمق الإسرائيلي. هذا الصمود، المتجذر في إرادة قوية وروح كفاحية لا تنضب، بات حقيقة يعترف بها الجميع، حتى في التقارير الإعلامية العبرية التي باتت تتحدث عن فشل الآلة العسكرية الصهيونية في كسر إرادة الفلسطينيين أو إضعاف مقاومتهم.
في قلب ميدان المواجهة، تتكشف حقائق دامغة تؤكد أن القوة العسكرية الغاشمة، بأسلحتها وتكنولوجياتها المتطورة، تقف عاجزة أمام الإيمان العميق، التخطيط الدقيق، والمهارة العالية التي تتميز بها المقاومة. لقد أثبت صمود الفلسطينيين، برسالة واضحة، أن العقيدة الراسخة، التخطيط المحكم، والتوحد الداخلي هي عوامل قادرة على إفشال مخططات العدو، وأن إرادة المقاومة لن تنكسر أمام خيارات القوة الغاشمة. معركة غزة اليوم ليست مجرد مواجهة عسكرية، بل هي شهادة حية على استمرارية إرادة التحرر ورفض الاستسلام، مجسدةً نمطًا من الصمود الأسطوري الذي يتحدى المستحيلات.
آلة الحرب الصهيونية وتوالى الانهيارات
الآلة العسكرية التي طالما تغنت بقوتها، تجد نفسها اليوم غارقة في مستنقع غزة. تُشير صحيفة “يديعوت أحرونوت” إلى “نقص آلاف الجنود” كسبب رئيسي للإحباط المتفشي بين صفوف قوات الاحتلال. هذا النقص لا يقتصر على أعداد القتلى والجرحى التي تتجاوز 10 آلاف جندي، بل يتفاقم بسبب “تجاهل المستوى السياسي” لمطالب الجيش بزيادة فترة الخدمة الإلزامية.
الإرهاق النفسي والجسدي بات حالة متجذرة، دفعت 24 مقاتلاً من لواء كفير لتقديم التماس غير مسبوق للحصول على إجازات الراحة، متحدثين عن “معاناة نفسية وأعباء جسدية شديدة” بعد أشهر طويلة من القتال. هذا الواقع يؤكد حجم الضغط الذي يعيشه الجنود، ويعكس فشلاً في إدارة الموارد البشرية والعسكرية للاحتلال.
الأدهى من ذلك، هو اعتراف جيش العدو نفسه بعدم قدرته على التكيف مع الظروف الميدانية. فقد نقل موقع “والا” الإسرائيلي عن ضابط احتياط كبير بالجيش الإسرائيلي قوله: “لا يجب التقليل من موجات الحر في قطاع غزة والرطوبة التي تعيق القتال المستمر وتسبب إرهاقاً للمقاتلين وانخفاضاً في الفاعلية العملياتية، مما يتيح فرصة للهجوم” للمقاومة الفلسطينية. هذا الاعتراف يكشف عن عجز واضح في قدرات العدو على التخطيط العملياتي، الذي لم يتمكن من التغلب على عوامل بيئية بسيطة، ناهيك عن مواجهة تكتيكات المقاومة المعقدة.
في المقابل، يُجسد أبطال المقاومة الفلسطينية نموذجًا للصمود الذي يُحير القيادة العسكرية والأمنية للعدو. بينما يشتكي جنود الاحتلال من الإرهاق، تُظهر المقاومة قدرة مذهلة على الاستمرارية والتطور. يؤكد موقع “والا” الإسرائيلي، نقلًا عن مصادر أمنية، أن “كتائب القسام… نجحت في جمع معلومات استخباراتية دقيقة عن جيش الاحتلال… وتستخدمها في هجماتها”. هذه الدقة الاستخباراتية مكنت المقاومة من تنفيذ عمليات نوعية وموجعة، مثل “الهجمات المنظمة بالقنص، وإطلاق صواريخ مضادة للدبابات، واستخدام العبوات الناسفة” بفعالية فائقة.
غزة: الأرض التي تبتلع أحلام الغزاة
بين ربيع وصيف عام 2025، تحولت غزة إلى مقبرة لأوهام جيش الاحتلال الإسرائيلي. 20 عملية نوعية للمقاومة كانت بمثابة صفعات متتالية كشفت عن جيش يترنح، وقيادات غارقة في الغطرسة، وجنود يواجهون قدرًا محتومًا على أرض لا ترحم. 35 قتيلاً و88 جريحًا هم جزء لا يذكر من فاتورة الانهيار النفسي والعسكري لجيش ادعى أنه لا يُقهر.
في عمق بيت حانون، حيث ظن العدو أنه بسط سيطرته، نصبت المقاومة فخاخ الموت. في 19 أبريل 2025، نصب كمين محكم يباغت دورية إسرائيلية قرب السياج الحدودي، ليسقط جندي صهيوني قتيلاً، ويصاب ثلاثة آخرون. لم يكن ذلك سوى افتتاحية لمسلسل رعب توالت حلقاته. فبعد أيام قليلة، في 24 أبريل، وفي المكان ذاته، عاد الموت ليطرق تجمعات جيش العدو بكمين آخر أشد تعقيدًا: قائد دبابة يلقى حتفه، ويصاب ثلاثة جنود آخرون. تنفيذ هذه الكمائن لم يكن صدفة، بل نتيجة معلومات استخباراتية دقيقة اخترقت عمق العدو.
في مايو، تحولت رفح إلى كابوس آخر. في 3 مايو، تفجير مدوٍ لفتحة نفق يبتلع ضابطًا وجنديًا، ويُصيب اثنين آخرين. هؤلاء الذين ظنوا أنهم أتقنوا حرب الأنفاق، وجدوا أن المقاومة هي سيدة هذا الميدان. وماذا عن 10 مايو في حي الشجاعية؟ عبوة ناسفة تنفجر لتُصيب 9 جنود احتياط، بينهم ضابطان كبيران. هؤلاء الذين تم استدعاؤهم لـ”النزهة” في غزة، وجدوا أنفسهم في جحيم لا يفرق بين ضابط كبير وجندي عادي. هذه العمليات وصفتها إعلام العدو بقدرة رجال المقاومة على إتقان فن “حرب عصابات ذكية” تجعل من كل زاوية، ومن كل مبنى، فخًا محتملاً.
منذ بداية يونيو، تصاعدت حدة الصدمات. في 2 يونيو 2025، كمين مروع في جباليا يستهدف آلية عسكرية، يسفر عن مقتل 3 جنود وإصابة 11 بجروح. وفي 6 يونيو، وفي خان يونس، عبوة ناسفة تودي بحياة 4 جنود وتصيب 5 آخرين داخل منزل. المقاومة لا تترك لهم مكانًا آمنًا.
ذروة الانهيار كانت في 24 يونيو 2025. عملية نوعية تستهدف ناقلة جند بخان يونس، ليتناثر أشلاء 7 من جنود وضباط الاحتلال، ويصاب 17 آخرون. سبعة قتلى في ضربة واحدة! تسببت في صرخة مدوية في أروقة القيادة العسكرية الصهيونية، وكشفت عن تخبط وإرباك غير مسبوق. وفي 29 يونيو، قوة من سلاح المدرعات في خان يونس تتعرض لانفجار عبوة ناسفة تقتل جنديًا آخر.
تكتيكات المقاومة تُحكم قبضتها على الميدان
إن صمود المقاومة الأسطوري تجاوز الصعيد الميداني ليمتد ويُفشل المخططات السياسية للعدو. فبينما يُصر قادة الاحتلال على مواصلة الحرب “حتى القضاء على حماس”، يُدركون أن وقف إطلاق النار يعني فتح ملف “فشل جيش العدو الإسرائيلي في غزة”، وهو ما سيترتب عليه “توسيع الانقسام في الداخل الإسرائيلي”. هذا المأزق الذي يواجهه الاحتلال، حيث تكون الخسائر فادحة سواء في حالة الاستمرار أو الإيقاف، هو نتيجة مباشرة لصمود المقاومة التي حطمت أوهام القوة المطلقة لجيش العدو.
صمود المقاومة الفلسطينية، الذي أثار ذهول المحللين وأقر به العدو نفسه، لم يأتِ من فراغ، بل هو نتاج تكتيكات عسكرية محكمة، تعتمد على استغلال نقاط الضعف لدى جيش الاحتلال، وتوظيف الإمكانات المتاحة بأقصى درجات الفعالية. هذه التكتيكات، كما تصفها التقارير الإعلامية العبرية، تعكس فهمًا عميقًا لطبيعة المعركة، وقدرة فائقة على التكيف مع الظروف المتغيرة.
أحد أبرز عوامل نجاح المقاومة هو تفوقها في جمع المعلومات الاستخباراتية. فبحسب موقع “والا” الإسرائيلي، فإن هذه الدقة الاستخباراتية هي حجر الزاوية الذي تُبنى عليه كافة العمليات اللاحقة. المقاومة تعرف تحركات العدو، تمركزاته، نقاط قوته وضعفه، بل وحتى التحديات اللوجستية التي يواجهها جنوده. هذه المعلومات تُمكّنها من شن هجمات مفاجئة ودقيقة، وتجنب الكمائن، واختيار التوقيت والمكان الأمثل لتنفيذ ضرباتها.
وعلى الرغم من الفارق الهائل في التسليح والتدريب، إلا أن المقاومة نجحت في إفشال تفوق جيش العدو التقليدي من خلال تبني تكتيكات حرب العصابات بذكاء لافت. يشير “والا” إلى أن “حماس… تُدير منظومة القتال بأسلوب حرب العصابات من خلال نظام أوامر منظم ينتقل من القيادة في مدينة غزة ومن مخيمات الوسط إلى باقي محاور القتال”.
إلى جانب التكتيكات العسكرية، يبرز الصمود الروحي والمعنوي كعنصر حاسم في معادلة المقاومة. فبينما يعاني جنود العدو من “المعاناة النفسية والأعباء الجسدية الشديدة” ويهددون بالالتماس للمحاكم، كما أوردت “يديعوت أحرونوت”، يُظهر مقاتلو المقاومة إصرارًا لا يتزعزع على مواصلة القتال، مدفوعين بإيمان راسخ بعدالة قضيتهم. هذا الصمود المعنوي يتحول إلى سلاح فتاك يُفقد العدو توازنه، ويجعله يواجه خصمًا لا يعرف اليأس. هذه التكتيكات مجتمعة، المدعومة بإرادة لا تنكسر، هي التي أفشلت مخططات العدو وأبقت غزة صامدة، رغم حجم الدمار الهائل والعدوان المستمر.
صمود غزة يزلزل أركان الاحتلال
الأثر المدمر للعدوان على غزة لا يقتصر على الميدان العسكري ومعنويات الجنود، فقد امتد ليضرب عمق المشهد السياسي الداخلي لكيان الاحتلال، مهددًا بتقويض ما يسمى بـ”الائتلاف الحكومي” الهش ويُعمق الانقسام في الداخل الإسرائيلي. فكل طلقة تُطلق في غزة، وكل جندي يسقط، وكل يوم يمر دون تحقيق ما يحلم به قادة الاحتلال من “نصر حاسم”، يُلقي بظلاله الثقيلة على مستقبل القيادة السياسية الصهيونية.
تُشير التحديات التي يواجهها جيش الاحتلال، والتي كشفت عنها “يديعوت أحرونوت” و”والا” من إرهاق الجنود ونقص الأفراد وفشل التكتيكات، إلى مأزق سياسي حقيقي. فالحكومة الراهنة، التي يقودها نتنياهو، تعتمد في بقائها على استمرار العملية العسكرية في غزة. وبالتالي، فإن أي حديث عن وقف لإطلاق النار، أو سعي نحو التوصل إلى اتفاق شامل، يثير هلعًا ورعبًا كبيرًا باعتبار ما يمثله من تهديد مباشر لما يُزعم من استقرار للائتلاف.
إيقاف إطلاق النار، وبحسب محللين صهاينة، يعني، أولاً وقبل كل شيء، فتح ملف الفشل العسكري والأمني للعدو الصهيوني في غزة. فبمجرد أن تهدأ المدافع، ستُطرح أسئلة مُحرجة حول سبب عدم تحقيق الأهداف المعلنة، وكيف أن المقاومة، رغم كل ما تملكه آلة الحرب الإسرائيلية، ظلت صامدة وقادرة على توجيه الضربات. هذه الأسئلة لن تُطرح في الأروقة المغلقة فحسب، بل ستتحول إلى وقود للمعارضة الداخلية، التي ستستغلها لإسقاط حكومة نتنياهو. الأطراف اليمينية المتشددة داخل الائتلاف، التي تُصر على مواصلة الحرب حتى تحقيق ما يُوهمون به أنفسهم من “النصر الكامل”، لن تقبل بأي تسوية تُظهر ضعفًا، أو تُقدم تنازلات. هذا التباين في المواقف يجعل الكيان برمته في مأزق، لاسيما وأن نتنياهو مُجبر على المضي قدمًا في الحرب رغم تكاليفها الباهظة، خوفًا من الانهيار الداخلي.
ما يزيد الطين بلة هو أن الفشل الميداني، والضغوط التي يتعرض لها الجنود، تنعكس بشكل مباشر على الداخل الصهيوني، مما يؤدي إلى توسيع الانقسام الداخلي فيه. فالكل في الكيان بات يرى بأم عينه حجم الخسائر البشرية التي يعترف بها جيشه بشكل جزئي، مثل مقتل الجنود من كتيبة “نيتسح يهودا” في كمين بيت حانون، إلى جانب أعداد الجرحى والإصابات النفسية التي تُقدر بأكثر من 10 آلاف جندي حسب “يديعوت أحرونوت”.
فاتورة باهظة تُثقل كاهل كيان الاحتلال
على صعيد آخر، يرى محللون أن الفشل العسكري المتواصل والضغوط السياسية الداخلية ليس سوى جانب من الفاتورة الباهظة التي تُجبر حرب غزة كيان الاحتلال على دفعها، لاسيما وأن التداعيات الاقتصادية لهذه الحرب باتت تُشكل عبئًا ثقيلاً، وتُهدد بانهيار الموقف المالي على المدى القريب، والذي من المؤكد أنه سيلقي بظلاله على كافة قطاعات الاقتصاد الصهيوني.
منذ بداية العدوان، يواجه كيان الاحتلال ارتفاعًا هائلاً في الإنفاق العسكري. إن استمرار العمليات يتطلب تمويلاً ضخمًا للذخائر، وصيانة المعدات، وتعويض الخسائر، إضافة إلى التكاليف اللوجستية والتشغيلية. ورغم أن الأرقام الدقيقة تُعد سرية، إلا أن التقديرات تُشير إلى أن مليارات من الدولارات تُستنزف شهريًا.
هذا الإنفاق المرتفع يُشكل ضغطًا هائلاً على الميزانية العامة للكيان. فقد اضطر الاحتلال إلى اقتراض مبالغ ضخمة من الأسواق العالمية، وربما اللجوء إلى زيادة الضرائب أو تقليص الإنفاق على الخدمات الأساسية مستقبلاً. كما أن رفض “المستوى السياسي” لطلب الجيش بزيادة فترة الخدمة الإلزامية، كما أشارت “يديعوت أحرونوت”، يعود جزئيًا إلى “التكاليف الباهظة – مئات الملايين من الشواقل – لمجرد تمويل أربعة أشهر إضافية من الخدمة الاحتياطية”، مما يُبرز الحساسية الكبيرة للميزانية تجاه أي زيادة في النفقات العسكرية.
كما أن حالة عدم اليقين الأمني التي فرضتها تداعيات استمرار الحرب على غزة، في مقابل الصمود الأسطوري للمقاومة، دفعت بالعديد من الشركات الأجنبية والمستثمرين إلى إعادة تقييم استثماراتهم في عموم مغتصبات الكيان في الداخل الفلسطيني المحتل. فالمخاطر المتزايدة تُقلل من جاذبية السوق الصهيوني، وتُعيق تدفق رؤوس الأموال الجديدة، بل قد تدفع بعض الاستثمارات القائمة إلى الانسحاب. هذا يؤثر سلبًا على النمو الاقتصادي ويُعيق التطور التكنولوجي الذي يعتمد عليه الكيان. ناهيك عن أن وكالات التصنيف الائتماني العالمية بدأت تُصدر تحذيرات، بل وتخفض التصنيفات الائتمانية للكيان، مما يزيد من تكلفة الاقتراض الحكومي والخاص، ويُضعف ثقة الأسواق في الاقتصاد الصهيوني.
زوال الغطرسة وبشارات الانتصار للحق الفلسطيني
تمتد تداعيات العدوان الصهيوني على غزة لتعيد رسم بعض الخطوط على الخريطة الإقليمية، وتُشير إلى تغير في موازين القوى. فلم تعد المواجهة محصورة في غزة، بل شهدت جبهات أخرى تصعيدًا. على الحدود الشمالية مع لبنان، هناك تبادل شبه يومي لإطلاق النار، مما يجبر جيش الاحتلال على تشتيت قواته على جبهتين، ويزيد من استنزافه.
إن ما يجري في غزة يُعد مرحلة حاسمة في تاريخ المنطقة. فصمود المقاومة الفلسطينية، الذي تجسده كل عملية وتؤكده كل إحصائية، لم يُحبط أهداف الاحتلال فحسب، بل كشف عن هشاشته الداخلية وتآكل نفوذه الإقليمي والدولي. باتت الصورة تتضح، فمع كل يوم يمر، تزداد الشواهد على أن الغطرسة الصهيونية التي طالما عاثت فسادًا، قد بدأت تكتب فصلها الأخير، وأن بشارات الانتصار للحق الفلسطيني تلوح في الأفق، مؤذنة بقدوم فجر جديد للمنطقة، يُعيد فيه الحق إلى أصحابه، وتُطوى فيه صفحة الاحتلال إلى غير رجعة.