المنبر الاعلامي الحر

من الرقص على رؤوس الأفاعي .. إلى رقص الأفاعي على أنين الشعب

من الرقص على رؤوس الأفاعي .. إلى رقص الأفاعي على أنين الشعب

يمني برس – تقرير- عبدالرحمن العابد

في بلدٍ يعيش أكثر من 80% من سكانه على المساعدات الإنسانية، وتغيب فيه الرواتب منذ سنوات، بينما يزداد الحصار إحكاماً ويتواطأ الخارج على سحق الاقتصاد تحت وطأة الحرب والفساد.

تختار نخبة الحكم والسياسة اليمنية السابقة مساراً آخر تماماً: مسار يبدأ من ممرات المراقص والكازينوهات، ويمر عبر صالات حفلات الزفاف الفاخرة في العواصم العربية، ليستقر على شرفات الشقق الفارهة في القاهرة وإسطنبول، أو في سجلات الشركات المسجلة في دبي والرياض وأنقرة.

مشاهد الأعراس الأسطورية باتت علامة مسجلة للنخبة اليمنية السابقة.

من القاهرة إلى دبي.. ومن عمّان إلى إسطنبول، تتحول حفلات زفاف أبناء المسؤولين إلى استعراضات للثروة المنهوبة، بتكاليف تصل إلى ملايين الدولارات.

حفل زفاف عائلة “آل عفاش” لم يكن إلا قمة جبل الجليد؛ قاعات مزدانة بالذهب والأنوار، مآدب تزخر بكل ما لذ وطاب، في وقتٍ تعجز فيه أسر يمنية عن توفير لقمة الخبز.

منازل فارهة على النيل والبوسفور

إذا كان العرس يوماً واحداً، فالمنازل تدوم للأبد.

في مصر وحدها، بلغت استثمارات اليمنيين -وبينهم قيادات سياسية واقتصادية بارزة- أكثر من 4.5 مليارات دولار بين 2014 و2019، معظمها في القاهرة والجيزة.

أما في تركيا، فقد اشترى اليمنيون الفارون من نخبة النظام السابق 1,082 منزلًا خلال تسعة أشهر فقط في 2019، بنسبة زيادة 536% مقارنة بـ2015، وأسسوا 164 شركة خلال ثلاث سنوات، وفق بيانات هيئة الإحصاء التركية.

ولم تقتصر القصة على أرقام الملكية العامة؛ بل إن وزارة الخزانة الأمريكية أدرجت في أكتوبر 2024 اسم حميد الأحمر على قائمة العقوبات، كاشفة عن امتلاكه شركتين مسجلتين في تركيا: SABATURK وVIVID Enerji.

وفي إسطنبول، جُمّدت أصول أحمد علي عبد الله صالح بقرار رسمي تركي عام 2018، وهي خطوة لم تمنع على ما يبدو استمرار تدفق الاستثمارات من نفس الدائرة السياسية.

دبي وأبوظبي.. الوجهة المفضلة للأموال الساخنة

 

تسريبات Dubai Unlocked لعام 2024 أظهرت كيف تحولت دبي إلى ملاذ آمن لأموال السياسيين حول العالم، ومن ضمنهم يمنيون، وإن كان الوصول العلني لأسمائهم محدود.

ومع ذلك، تؤكد شهادات مصرفية واستقصائية أن العقارات الفاخرة في أبراج المارينا والجُميرة لم تشترَ بأموال تجارة القمح أو البُن، بل من أرصدة الموازنات العامة ومخصصات إعادة الإعمار التي لم تصل يوماً إلى وجهتها الأصلية.

 

إثيوبيا، السعودية، عُمان.. الاستثمارات الصامتة

في إثيوبيا، تشير تقارير محلية إلى استثمارات في مزارع كبرى وشركات تصدير مرتبطة بمسؤولين يمنيين سابقين، وإن كانت الوثائق العلنية شحيحة.

أما في السعودية وسلطنة عُمان، فتتردد أسماء شركات وواجهات تجارية مسجلة بأسماء أقارب قيادات سياسية، تعمل في مجالات الاستيراد والتوكيلات التجارية، لكنها تحرص على البقاء بعيداً عن الأضواء الإعلامية.

 

بذخ الحياة اليومية.. مليون ريال على القات

ليس الأمر متعلقاً فقط بالمشاريع الكبرى، فالبذخ يتسرب إلى تفاصيل الحياة اليومية. أحد قيادات مأرب -وفق توثيق على منصة “إكس”- ينفق مليون ريال يمني يومياً على القات، ونفس الحالة تكررت مع عدة شخصيات في عدن “يخزنون” قات بمبلغ مليون ريال للفرد الواحد، وهو مبلغ يكفي لإطعام مئات الأسر.

وفي شوارع عدن ومأرب، تسير سيارات لامبورغيني وفيراري وكأننا في موناكو لا في بلد يعيش نصف سكانه تحت خط الفقر.

أما ليالي القاهرة فحكاية أخرى، إنفاق على الراقصات والمشروبات الفاخرة في الكازينوهات، مع تصريحات رسمية للنائب العام اليمني عام 2024 تكشف أن جزءاً من هذه الأموال مصدره فساد مالي مؤسسي تجاوز ملياري دولار.

أرقام الفساد.. والنتيجة الحتمية

الأرقام لا تكذب:

1.9 مليار دولار حجم الفساد في سبع جهات حكومية تابعة للشرعية.

أكثر من 20 قضية فساد مالي وغسل أموال وتمويل إرهاب منظورة أمام القضاء.

2.8 تريليون ريال يمني (نحو 1.9 مليار دولار) مهدورة في قطاعات الكهرباء والطاقة والاتصالات والقطاع المالي.

هذه المليارات كانت كفيلة بإعمار المدارس والمستشفيات، أو بدفع رواتب مئات الآلاف من الموظفين، لكنها فُضلت أن تكون على شكل فيلا في التجمع الخامس، أو شقة على البوسفور، أو تنفق على الراقصات.

 

الفجوة الأخلاقية.. وانهيار الثقة

بينما يصطف المواطن في طوابير المساعدات، يقضي مسؤولون سابقون وحاليون في ما تسمى الشرعية الوقت في ترتيب حفلات زفاف أبنائهم أو متابعة أرباح شركاتهم في الخارج.

والنتيجة، فجوة ثقة هائلة بين النخبة والشعب في الداخل الذي يملأه الإحباط واليأس، ويغذيه الإحساس بأن حلم الدولة التي كذبوا عليهم بها، مجرد شركة عائلية كبرى تُدار من الخارج.

هذه ليست مجرد قصص عن فساد أو بذخ، بل لوحة متكاملة لنهب جماعي منظم، تُستخدم فيه أدوات السياسة كجسر لتمويل حياة رفاهية على حساب الجوعى والمحاصرين. والمفارقة المرة أن كل ذلك يتم تحت شعارات “الشرعية” و “الجمهورية” و “استعادة الدولة” و “خدمة الوطن” و”إعادة الإعمار”.

وكأن النخبة الفاسدة من القيادات “السابقة والحالية” في الخارج تقول للمواطن: “اصبر على الجوع، فقصورنا تحتاج إلى طلاء جديد، وسيارة لامبورجيني جديدة.”

قد يعجبك ايضا