ميلاد المصطفى.. تجديدُ عهدٍ مع خير الورى
يمني برس || مقتلات رأي:
مع حلول ذكرى المولد النبوي الشريف، تتجدد في قلوب المسلمين محبة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وتستحضر العقول سيرته العطرة التي لا تزال منارة تهتدي بها الأجيال، إنها مناسبة ليست للاحتفال فحسب، بل هي دعوة للتأمل في شخصية فريدة جمعت بين كمال الخلق ونبل الرسالة، حيث كانت حياته كتاباً مفتوحاً يسطر أروع معاني الشجاعة والكرم والرحمة.
لم يكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مجرد قائد عظيم، بل كان قدوة في كل خصلة حميدة، فكانت شجاعته مضرب المثل، حيث كان في مقدمة الصفوف في أحلك المعارك، ثابتاً لا يهاب شيئاً، يدافع عن الحق وينشر رسالة التوحيد، ولم تكن شجاعته قاصرة على المواقف القتالية، بل تجلت في ثباته على مبادئه أمام أذى المشركين، حيث لم يساوم أو يتنازل عن دعوته.
أما كرمه صلى الله عليه وآله وسلم فكان يتجاوز حدود العطاء المادي، إذ كان يجود بنفسه ووقته لمن يحتاج، فكانت يده معطاءة لا تعرف الكلل، يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، حتى إنه كان يفضل غيره على نفسه، وقد شهد على ذلك الصحابة الذين كانوا يرون فيه بحراً من الكرم لا ينضب، فقد كان صلى الله عليه وآله سلم أجود من الريح المرسلة.
وإلى جانب شجاعته وكرمه، كانت رحمته السمة الأبرز في شخصيته، فكانت رحمته شاملة للصغير والكبير، للمسلم وغير المسلم، وحتى للحيوان. فكم من مواقف تجلت فيها رحمته، كعفوه عن أهل مكة يوم الفتح، رغم ما فعلوه به وبأصحابه، وتعامله مع المرأة العجوز التي كانت تؤذيه، مما جعلها في النهاية تعتنق الإسلام.
إن إحياء ذكرى مولد النبي -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله- هي مناسبة جامعة تمثل أساساً مهماً للوحدة الإسلامية، ومن خلالها يتم التذكير بالأسس الجامعة المهمة التي توحد الأمــة وتبنيها كما أن هذه المناسبة العزيزة على قلوب المسلمين جميعا فرصة للحديثِ عن سيرة الرسول ومنهجه، وتجديد العلاقة به. فالله سبحانه وتعالى الذي رفع ذكر نبيه، وقرن اسمه باسمه في الأذان والصلاة، حتى يظل حيًّا في وجداننا.
إن هذا الارتباط الروحاني بالنبي ليس مجرد ارتباطٍ عاطفي، بل هي ارتباطٌ بالرسالة والمنهج الإلهي الذي يُمثِّلُه، فهو الهادي والقائد والمعلم والقدوة وكم هي البشرية اليوم بحاجة ماسة إلى هذه القدوة؛ لأن سعادتها ونجاتها تكمن في اتباع هديه، بعد أن أصابها الشقاء والسعير بسبب ابتعادها عن هذا الهدى والمنهاج المحمدي.
ختاماً.. إن سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم لا تقتصر على سرد الأحداث، بل هي منهج حياة، فشجاعته تعلمنا الثبات على الحق، وكرمه يذكرنا بأهمية العطاء، ورحمته تدعونا إلى التعايش والتسامح. إن إحياء هذه الذكرى هو فرصة لنستلهم من هذه الخصال ونعمل على تطبيقها في واقعنا، لنجعل من أنفسنا مرآة تعكس أخلاقه العظيمة.
بقلم/ طارق مصطفى سلام *
*محافظ محافظة عدن