المنبر الاعلامي الحر

أطفال غزة لا يكبرون، بل يصغرون بفعل الإجرام الصهيوني

أطفال غزة لا يكبرون، بل يصغرون بفعل الإجرام الصهيوني

يمني برس – تقارير
لم يكن الجوع يومًا حدثًا كأي حدث عابر، بل نذيرً شؤم. وفي غزة، لم تكن المجاعة إلا وجهاً آخر للإبادة التي يرتكبها العدو الإسرائيلي. لم تكن الطائرات الإسرائيلية وحدها من قصفت، ولا القذائف وحدها من اخترقت البيوت وقتلت الصغير والكبير، بل الجوع، العطش، المرض، والعالم الصامت الذي كان سلاحًا أشد فتكًا في زمن يقال بأنه زمن الحرية وحقوق الإنسان.
على الرغم من كل ما حاول العدو الإسرائيلي تسويقه من صور مساعدات تُلقى من السماء، ومن شاحنات تدخل بنُدرة، ظنًّا منه أن المظاهر قد تُخفي الجريمة، لم يُفلح في خداع الحقيقة. فالأمم المتحدة أعلنتها -ولو متأخرة-: المجاعة في غزة أصبحت رسمية، في أول سابقة من نوعها في “الشرق الأوسط”.
في مدن غزة، حيث كانت الحياة، انقلبت الدنيا نارًا ورمادًا. منذ صباح اليوم، الغارات لا تهدأ، والمدافع تصرخ كأنها تطلب المزيد من الضحايا. لا مكان للهرب، لا شيء ينجو. الطائرات المسيّرة تطلق النار بلا هدف، كأنها تسابق الريح في حصد الأرواح. والطرقات امتلأت بجثث لا أحد يستطيع انتشالها. الإسعاف ممنوع، والدفاع المدني محاصر، والموت وحده مسموح له بالتجوال بحرية. هكذا هي النفسية اليهودية، وهذه هي الصهيونية على وجهها الحقيقي.

كل شيء في غزة ينهار

وفي قلب هذا الجحيم، ينادي مدير الصحة في غزة من خلف جدار الصمت الدولي: “نحن أمام إبادة صحية وبيئية. كل شيء ينهار: البشر، المشافي، والمياه التي تُشرب. لا فرق بين طفل وشيخ، بين جريح ومريض بالسرطان. الكل يحتضر، والدواء محظور، والغذاء محاصر. المجاعة تفتك بأجسادنا، والعدو يحتل حتى الشرايين”.
320 ألف طفل دخلوا في دوامة سوء تغذية حاد. أطفال لا يعرفون طعم الخبز، ولا لون الحليب. الصغار في غزة لا يكبرون، بل يصغرون، تتآكل أجسادهم، وتذوب أعينهم في وجوههم.
في قسم سوء التغذية بمستشفى ناصر، طفلة تُدعى شهد، عمرها عام ونصف، تزن 5.8 كجم فقط. جلدها يلتصق بعظمها، والنسيج الشحمي اختفى، وكأنها كبرت في الفراغ.
أمام هذا، يعمل الأطباء بأرواحهم، لا بمعداتهم.. يقول مدير مجمع الشفاء الطبي في غزة، الدكتور محمد أبو سلمية: 600 مريض في العناية المركزة وحدها في مجمع الشفاء، في مستشفيات تعمل بطاقة تفوق ثلاثة أضعاف قدرتها. الدواء ناقص بنسبة 60%. مرضى السرطان بلا علاج، مرضى الكلى يموتون عطشًا قبل أن تقتلهم السموم. وحتى الذين يُجرحون برصاص القناصة، يموتون ببطء، بسبب الجوع الذي يمنع شفاء الجراح.
وحذّر أبو سلمية من أن أي عملية عسكرية إسرائيلية واسعة في مدينة غزة ستقود إلى كارثة إنسانية شاملة، في ظل الانهيار شبه الكامل للبنية الصحية في القطاع، وعجز المستشفيات عن استيعاب المزيد من الضحايا.
وأوضح أن أكثر من مليون ومئتي ألف مدني يعيشون حالياً في المدينة ومحيطها، وأن آلاف المرضى والجرحى مهددون بالموت، بينهم مصابون بأمراض مزمنة مثل السرطان والفشل الكلوي والشلل الرباعي، إضافة إلى الأطفال المصابين بسوء التغذية.
وزارة الصحة بغزة، أكدت أنَّ هندسة التجويع هي فصل واحد في فصول الإبادة الجماعية، والتي تشمل أيضًا التدمير الممنهج للقطاع الصحي والقطاعات الأخرى، والقتل الجماعي وسياسة إبادة الأجيال. مشيرة إلى أن قرار الأمم المتحدة إعلان المجاعة في غزة جاء متأخرًا، فمئات الحالات التي توفيت كان بالإمكان إنقاذها. مشيرةً إلى أنّ حياة الآلاف على المحك، وأن المجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي، فالوقت هو قت الأفعال لا التصريحات فقط.
هذا المشهد ليس سيناريو في فيلم رعب. إنه مشهد حقيقي، “بطله” أكثر الناس رجسا وإفسادا على وجه الأرض. هكذا تصنع الصهيونية أبطالها.

لغة الأرقام تكشف جحم الإجرام الصهيوني

الأرقام، لا تكذب، وبحسب وزارة الصحة في غزة فهناك:
– 281 شهيدًا جراء سوء التغذية، بينهم 114 طفلًا.
– 61 شهيــدًا، و308 إصابة خلال الـ 24 ساعة الماضية.
– 10,778 شهيـــدًا و45,632 إصابة منذ 18 مارس 2025م.
– 62,622 شهيــــدًا و157,673 إصابة منذ 7 أكتوبر 2023م

وعلى ركام هذه المدينة المحاصرة، يقول فيليب لازاريني المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا: إن المجاعة التي أعلن عنها في محافظة غزة شمال القطاع “صنيعة إسرائيلية مدبرة”. لا شيء عفوي هنا. هذه إبادة تتم على مراحل، تحت سمع العالم وبصره. وأكد أن ذلك “نتيجة مباشرة لحظر “إسرائيل” وصول الغذاء وغيره من الإمدادات الأساسية لأشهر، بما في ذلك من قِبل الأونروا”. وأضاف: “لدينا الغذاء في الأردن ومصر، لدينا الدواء، لدينا آلاف الشاحنات. لكن الاحتلال يمنع. وما يزال بالإمكان السيطرة على الكارثة، لكن هذا يتطلب إرادة سياسية، أين هي؟”.
وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” قالت إن وقف المجاعة في مدينة غزة ممكن عبر إدخال مساعدات إنسانية واسعة النطاق فورا. وأشارت إلى أن مستودعاتها في الأردن ومصر ممتلئة بما يكفي من الغذاء والدواء والمواد الصحية لتعبئة 6 آلاف شاحنة تنتظر الإذن من العدو الإسرائيلي. فمن يجرؤ على إجبار العدو على فتح المعابر، فنحن أمام مؤسسات دولية كاذبة، ومجتمع دولي يقامر بلعبة الموت في غزة، طمعاً في بعض أموال الصهيونية، أو خوفا من بطشها.
الأمين العام للأمم المتحدة قال إن المجاعة في غزة “كارثة من صنع الإنسان”. لكنّ الطفل الذي يموت في حضن أمه لا يهمّه من صنع الجوع، ولا من أعلن الكارثة. كل ما يهمه: لماذا لم ينقذه أحد؟ في غزة، الموت لا يختار ضحاياه، الجوع لا يميز، والحصار لا يفرّق بين المستشفى والمدرسة والخيمة، بين الطفل والجريح، بين الماء والدم. وهكذا، تُذبح غزة على مهل.

المياه سلاح حرب

وعند نقاط توزيع المساعدات، يخرج الناس بحثًا عن “لقمة”، فيعودون برصاصات. 2,076 شهيدًا سقطوا لأنهم فقط كانوا جائعين.
في تقريرها، قالت “أطباء بلا حدود”: إن العدو الإسرائيلي يستخدم المياه كسلاح حرب. أكثر من 60 محطة تحلية خرجت عن الخدمة، والأنابيب المائية دُمّرت، والتسريبات تسرق ما تبقّى من قطرات الحياة. 86% من قطاع غزة أُجبر على التهجير، فكيف تُوزع المياه على من لا يملكون أرضًا تحت أقدامهم؟ ومن تبقى، يعاني من أمراض جلدية، إسهال، جرب، وعدوى لا يمكن علاجها.
المياه الملوثة تفتك، والمياه النقية محاصرة، والخط الأخير للكهرباء الذي كان يغذي محطة تحلية مركزية قُطع، لتكتمل الدائرة: ممنوع أن تشرب، ممنوع أن تتنفس، ممنوع أن تعيش.
وأفادت المنظمة أن أكثر من 60 محطة تحلية مياه في قطاع غزة خرجت عن الخدمة بفعل القصف الإسرائيلي المتواصل الذي دمّر البنية التحتية للمياه أو ألحق بها أضرارًا جسيمة. مضيفة أن ما تبقى من المياه غير كافٍ لتلبية الحد الأدنى من احتياجات أكثر من مليوني فلسطيني في القطاع.
وأوضحت “أطباء بلا حدود” أن العدو الإسرائيلي يمنع استيراد المواد الضرورية لمعالجة وتحلية المياه، حيث لم تحصل المنظمة سوى على موافقة واحدة فقط من أصل عشرة طلبات تقدمت بها منذ حزيران/ يونيو 2024، ما أدى إلى تدهور كبير في مستوى توفر المياه الصالحة للشرب.
ومنذ بدء العدوان، دمّر جيش العدو أنبوبين من أصل ثلاثة تنقل المياه إلى غزة. وأشارت المنظمة إلى أن ما يقارب 70% من المياه التي تمر في شبكة الأنابيب تُفقد بسبب التسريبات الناتجة عن الأضرار التي خلفها القصف. كما لفتت إلى أن العدو يعرقل -باستمرار- عمليات إصلاح هذه الشبكات، ويمنع الطواقم من الوصول إلى مواقع البنية التحتية المتضررة.
وذكرت المنظمة أن 86% من مساحة قطاع غزة باتت خاضعة لأوامر التهجير القسري التي يصدرها “جيش” العدو، ما يجعل من شبه المستحيل إيصال المياه إلى الفلسطينيين الذين بقوا في تلك المناطق، مشيرة إلى أن نقاط توزيع المياه تضطر لتغيير مواقعها باستمرار نتيجة الغارات أو أوامر الإخلاء.
وأكدت المنظمة أن قطاع غزة لا يتوفر فيه مصدر طبيعي لمياه الشرب، نتيجة ملوحة المياه وتلوثها بالصرف الصحي والمواد الكيميائية، ما يدفع الفلسطينيين للاعتماد على خطوط المياه القادمة من داخل فلسطين المحتلة ومحطات التحلية داخل غزة، والتي تضرر أغلبها.
ومن أصل 196 محطة تحلية تُشرف عليها الحكومة الفلسطينية والمنظمات غير الحكومية، خرجت أكثر من 60 محطة عن الخدمة بشكل كامل، بفعل الأضرار المباشرة، أو بسبب عدم القدرة على تشغيلها نتيجة الحصار ومنع إدخال المواد.
وفي تصعيد خطير، قالت المنظمة إن العدو قطع في 9 آذار/ مارس 2025 آخر خط كهرباء كان يغذي محطة تحلية مركزية جنوب مدينة دير البلح، ما أدى إلى توقف إنتاج كميات كبيرة من مياه الشرب، وزيادة الأزمة المائية الخانقة.
وفي السياق ذاته، ذكرت المنظمة أن العدو أوقف خلال عام 2025 توزيع المياه في 137 نقطة مختلفة داخل قطاع غزة، بسبب التهديدات العسكرية والقصف في المناطق المصنفة “آمنة”، والتي لم تعد كذلك بفعل العدوان المستمر.

ختاما

في غزة، لا يُعدّ الموت نهاية القصة، بل بدايتها. فحين يُحاصر الجوع أحلام الأطفال، وتُقطع المياه عن الأرواح قبل الأجساد، وحين تتحول المستشفيات إلى مقابر مؤقتة، والأسواق إلى ساحات قنص، نكون أمام فصلٍ من التاريخ لا يُكتب بالحبر، بل بالدم. المدينة التي تعلّمت أن تعيش على الأمل، تُقاتل اليوم من أجل أن تبقى على قيد الخبز والماء. المجاعة ليست عارضًا، بل سلاحٌ يُشهره العدو الإسرائيلي في وجه الحياة، والسكوت عليه جريمة.
أما الضمير العالمي، فما زال واقفًا عند حدود التصريحات، فيما غزة تغرق بلا منقذ. ووسط هذا الظلام، تبقى الحقيقة ساطعة: غزة لا تموت، بل تُذبح. لكنها لا تنكسر. فصوت الأمهات على الأنقاض، وبكاء الأطفال بين الركام، هو آخر ما تبقى من إنسانيتنا المشتركة.
نقلا عن موقع أنصار الله

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com