اليمن يقدم حكومته شهيدة… ويواصل معركة الحرية
يمني برس | تجلّى التاريخ اليوم في صورة وداع مهيب، لرجالٍ لم يكتفوا بالكلمات، بل ختموا مسيرتهم بالشهادة، اليمن، الذي لم تغب شمس جهاده عن سماء الأمة، يودّع اليوم حكومة التغيير والبناء، رئيسًا وعدد من وزرائه، ارتقوا جميعًا شهداء على طريق القدس في استهداف صهيوني غادر.
في ميدان السبعين، الذي عرفته الجماهير العربية من أولى ساعات معركة طوفان الأقصى، احتشد الآلاف من مختلف المحافظات اليمنية، شمالًا وجنوبًا، ليقولوا كلمتهم الأخيرة: هذا المشهد يرسم طريق طويل، ترويه دماء القادة وتعبّده عزيمة الشعوب نحو الحرية.
يقف اليمن اليوم على مشهد غير مسبوق في التاريخ العربي الحديث، حيث تتحوّل السلطة إلى شهادة، ويتقدّم القادة إلى التضحية بأنفسهم على درب الكرامة والتحرير.
احتضنت صنعاء جنازة رسمية وشعبية مهيبة لرئيس حكومة التغيير والبناء وعدد من وزرائه،واتجهت الأنظار إلى الجموع المحتشدة، التي لا تقتصر على سكان العاصمة، بل امتدت من أقصى الجنوب إلى الشمال، في تجلٍّ غير عادي لوحدة وطنية تنبع من وجدان مجاهد، لا من حسابات سياسية لدية.
تدفق المشيّعون إلى الساحة، رغم ضيق الوقت وقِصر المدة بين إعلان الشهادة والتشييع، حيث يظهر الالتفاف الشعبي واضحًا، كفعل جماعي صلب، تتجلّى ملامحه في مراسيم الوداع، وفي نظرات الأمهات، وفي الهتاف الذي لا يغيب: “لستم وحدكم يا أهل غزة”.
يرفع الشعب اليمني على عربات (بأس 2) فخر الصناعة العسكرية البرية اليمنية، وإكليل وفائه على نعوش قادته، لا ليُغلق مرحلة، بل ليبدأ أخرى، مجدداً العهد مع قضيته، ويؤكّد من جديد أن تموضعه في الصفوف الأمامية لم يكن صدفة، بقدر ما يكون موقفًا ثابتاً ومتجذرًا لا تهزّه الضربات، ولا تشتته الخسائر.
يقدّم اليمن حكومته شهيدة، في ميدان السبعين، الميدان الذي قال فيه الرئيس الشهيد صالح الصماد ذات يوم: “يد تحمي، ويد تبني”، يرتقي رجال تلك اليدين، وقد حموا وبنوا، ثم ارتقوا شهداء.
يستقبل العدو الصهيوني هذه الرسالة على طريقته: قصف واغتيال. بينما اليمن يبعث رده من بين النعوش: لا نتراجع، وكما يكشف العدو نواياه التوسعية بشكل فجّ، تظهر صنعاء أكثر تماسكًا، وتُرسل رسائلها الواضحة بأن هناك من لا يزال يملك قرار المواجهة، ويضع حياته، ومؤسسات دولته، في خدمة المعركة والقضية العادلة.
يستحضر اليمن وصف الشهيد الصماد حين قال إن بلده هو “يوسف العرب”، في توصيف يستعيد اليوم كل معانيه: بلد يُجافيه بعض إخوته، يُحاصَر من محيطه، لكنه لا يفقد إيمانه، ويخرج من الجُبّ متمسكًا بحلمه، ممتلئًا بحكمة الألم، ومستعدًا لصناعة نصر يولد من ركام الحصار.
يثبت اليمن من بين النعوش أن على هذه الأرض شعب متمسّك بخياره الوجودي: الجهاد الجهاد كل الشعب على استعداد، وعلى لسان رئيسه “أن ثأرنا لا يبات” في لحظة تُدوّن في سجلّ الأمة، كمشهد نادر يقوده اليمن على تماس المواجهة ومن خطوط الدفاع الأولى عن قضايا الأمة، وفي زمن التخاذل، ها هو يقف شاهدًا وشهيدًا، وكأنه يقول: هنا لا تنتهي المعركة، هنا تبدأ من جديد.
رسالة اليمن اليوم واضحة ومدوية، منطوية تحت لواء قائده، السيد القائد عبد الملك بن بدر الدين الحوثي- يحفظه الله- نحن في أقدس وأشرف موقف، ومهما كانت تضحياتنا فنحن مستمرون بموقف عنوانه: حكومة كاملة ترتقي على طريق القدس، وشعبٌ لا يفرّط، لا يساوم، لا يتراجع. من قلب العاصمة صنعاء، من ميدان السبعين، يكتب اليمن مجددًا مشهده المجاهد، ويؤكد أن التضحيات العظيمة لا تصنع الهزيمة، هي تصنع التاريخ والشرف.
نقلا عن المسيرة