المنبر الاعلامي الحر

كاتس يتوعد والمشاط يتحدّى… ثورة اليمن تدخل عامها الحادي عشر بثقل المقاومة

يمني برس | تحليل| بقلم/ أحمد إبراهيم المنصور 

 

منذ أن خرج وزير خارجية الكيان الصهيوني المدعو “يسرائيل كاتس” ليطلق تهديداته الوقحة باغتيال السيد القائد عبدالملك الحوثي، ورفع علم كيانه فوق صنعاء، بدا واضحاً أن معركة اليمن لم تعد شأناً داخلياً أو صراعاً إقليمياً محدوداً، فهي أصبحت في صميم مواجهة مشروع استعماري قديم جديد، يتقدم بأدوات أمريكية وصهيونية وخليجية على حد سواء. مثل هذا التهديد لم يكن ليُقال لو لم يكن اليمن قد انتزع مكانته في معادلة الردع الإقليمي، ولو لم يصبح اسمه مقترناً بفلسطين وغزة والجنوب اللبناني.

 

أتذكر أيام ما قبل ثورة 21 سبتمبر، حين كان السفير الأمريكي يتجول في شوارع صنعاء وكأنه الوصي الأعلى على البلد، يدخل الوزارات ويُخرج منها القرارات، ويتعامل مع قادة الجيش وكأنهم موظفون في شركة أمنية تابعة له. لم يكن الجيش جيشاً، كان مجموع ولاءات متناقضة بين عائلة عفاش وأولاد الأحمر والفرقة الأولى مدرع، كل واحد منهم ينهش في الجسد اليمني لحساب الخارج. الأمن كان مسرحاً للتكفيريين، تُزرع العبوات في الأزقة، وتُفجَّر المساجد، وتُختطف الشخصيات والسائحون على حد سواء. الفقر والبطالة والجرعة المستمرة جعلت حياة المواطن مرهقة حد الاختناق. كانت صنعاء تعيش حالة اختطاف كامل، وكان البلد كله يُدار بالريموت من الرياض وواشنطن.

 

جاءت الثورة فأغلقت تلك المرحلة، ليس بانقلاب على شخص أو حزب، وإنما بانكسار كامل للوصاية. حين دخل الثوار إلى صنعاء وسقطت معسكرات الفرقة الأولى مدرع، كان ذلك بداية مشروع وطني، ولم تكن لحظة عابرة، فقد تحولت فيه عبارة “يد تحمي ويد تبني” من شعار إلى واقع ملموس. طُرد السفير الأمريكي، أُهينت الوصاية، وأصبح القرار اليمني يصدر من الداخل وليس من السفارات.

 

وبعد أحد عشر عاماً، ها هو الرئيس مهدي المشاط يضع النقاط على الحروف في كلمته الأخيرة: الثورة ليست لحظة غضب ولا نزوة عابرة، هي مسار وعي طويل، دفع فيه اليمنيون أثماناً باهظة من دماء الشهداء وصبر النساء وصمود العمال والموظفين. الثورة جعلت اليمن يقف جنباً إلى جنب مع غزة، يربط مصيره بمصير المقاومة في فلسطين ولبنان. هذا الربط ظهر في البحر الأحمر حين توقفت السفن الإسرائيلية، وفي الصواريخ والطائرات المسيّرة التي عبرت البحر لتضرب العمق الصهيوني.

 

كاتس يهدد برفع علم كيانه في صنعاء؟! هذه ليست هرطقة إعلامية، لكنها محاولة نفسية لكسر إرادة اليمنيين، لإيهامهم أن كيان الاحتلال قادر على إخضاعهم كما أخضع أنظمة عربية أخرى. لكن الفارق أن تلك الأنظمة لم يكن لها قرار مستقل أصلاً، بينما اليمن منذ 21 سبتمبر قال كلمته: لا للتبعية.

 

ومن المفارقات أن العدو الصهيوني، وهو يهدد صنعاء، لم ينسَ أن يربط ذلك بشعار “الموت لإسرائيل”. شعار وُلد في مساجد صعدة، واعتبره البعض يومها صيحة عاطفية لا غير، لكنه تحوّل مع الزمن إلى هوية جامعة، حتى صار هاجساً يؤرق تل أبيب وواشنطن. فهل هناك دليل أوضح من أن كياناً نووياً مرعوب من شعار خطّه اليمنيون على جدرانهم وراياتهم؟

 

ما قاله المشاط عن العدوان على قطر يضع العرب كلهم أمام اختبار صعب. فإذا كانت دولة صغيرة محمية بالقواعد الأمريكية لم تسلم من ضربات العدو، فماذا عن بقية العواصم التي تراهن على الحماية الأجنبية؟ أليس أوضح من الشمس أن العدو لا يفهم إلا لغة القوة؟ وأن كل من يتواطأ بالصمت أو المواقف الرمادية إنما يفتح الباب لدوره القادم؟

 

الجيش اليمني الذي أعيد بناؤه من تحت الركام لم يعد ذاك الجيش الممزق الذي كان يسلم صواريخه وقذائفه ليدمرها الأمريكان. اليوم أصبح قوة ردع حقيقية، صواريخه تضرب الرياض وأبوظبي، ومسيّراته تعبر البحار، وبحريته تقف حجر عثرة أمام الملاحة الصهيونية. هذا التحول لم يأتِ بسهولة، هذا التحول جاء من رحم الحصار، من عرق المهندسين، من دماء الشهداء.

 

وفي المقابل، كيف هو حال المناطق التي بقيت تحت سيطرة أدوات العدوان؟ فوضى أمنية، انهيار اقتصادي، انهيار عملة، جماعات مسلحة تتناحر، اغتيالات، واحتلال مباشر لقوات أجنبية تتحكم بالثروات والموانئ والجزر. أليس هذا كافياً ليقارن أي عاقل بين يمن ما قبل الثورة ويمن ما بعدها؟

 

إن العدو حين يهدد باغتيال القائد أو برفع علمه فوق صنعاء، فهو يعترف ضمناً أن اليمن اليوم خصم لا يمكن تجاهله. وفي التاريخ شواهد كثيرة على أن الأمم الصغيرة عدداً يمكن أن تتحول إلى قوى كبرى حين تمتلك الإرادة. ألم تكن فيتنام بلداً فقيراً قبل أن تهزم أمريكا في السبعينيات؟ ألم يكن لبنان في الثمانينيات جريحاً حتى صنع مقاوموه انتصار 2000 و2006؟ واليمن اليوم يسير في ذات المسار، لكنه يزيد عليه موقعه الجغرافي الاستراتيجي في البحر الأحمر وباب المندب، حيث تتحكم قرارات صنعاء بحركة التجارة العالمية.

السؤال الذي يفرض نفسه: ماذا بعد هذه التهديدات؟ الجواب جاء واضحاً في كلمة المشاط: الرد سيكون عملياً، والضربات على الكيان ستتضاعف، ولن تذهب دماء الشهداء هدراً. وهذا ليس وعداً خطابياً، فقد كان هذا إعلان نوايا مبني على واقع العمليات العسكرية التي ينفذها اليمنيون يومياً.

 

من صنعاء التي عاشت كل أشكال الحصار والقصف والحرمان، يخرج اليوم موقف صريح: اليمن لن يعود تابعاً، ولن يركع. وكما يقول أبناء صنعاء في لهجتهم: “الريوس مفصول”، فالمعادلة انقلبت، ومن راهن على تركيع هذا الشعب اكتشف أنه فتح على نفسه أبواب جهنم.

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com