المنبر الاعلامي الحر

قاعدة بغرام: شرارة توتر جديدة بين واشنطن وطالبان وعين على الصين

 عادت قاعدة بغرام الجوية، التي كانت يومًا ما أكبر معقل عسكري أمريكي في أفغانستان، لتتصدر المشهد الجيوسياسي العالمي، فبعد سنوات من الانسحاب الأمريكي الذي وُصف بـ”الفوضوي”، أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سلسلة من التصريحات النارية التي تطالب باستعادة السيطرة على القاعدة، ملوّحًا بعواقب وخيمة، ومبررًا ذلك بموقعها الاستراتيجي الفريد لمراقبة الصين.

هذه المطالب قوبلت برفض أفغاني قاطع، مما يفتح الباب أمام فصل جديد من التوترات ويطرح تساؤلات حول مستقبل المنطقة.

يمني برس | خاص

تصريحات ترامب: ضغط ومبررات استراتيجية
في سلسلة من التصريحات والمشاركات عبر منصته “تروث سوشيال”، كشف دونالد ترامب عن رغبة إدارته في استعادة قاعدة بغرام، مؤكدًا أن محادثات تجري بالفعل مع أفغانستان لتحقيق هذا الهدف، وقد برر ترامب هذه الرغبة الملحة بسببين رئيسيين:

الأول مراقبة الصين حيث صرح ترامب مرارًا أن القاعدة “تبعد ساعة واحدة فقط عن موقع تصنيع الصين لأسلحتها النووية”، ورغم أن هذا الادعاء يفتقر للدقة الجغرافية، حيث أن أقرب المنشآت النووية الصينية المعروفة تبعد آلاف الكيلومترات، إلا أنه يكشف عن الهدف الاستراتيجي الأكبر وهي استخدام بغرام كنقطة متقدمة لمراقبة واحتواء النفوذ الصيني المتزايد في آسيا الوسطى.

كما لمّح ترامب إلى أن واشنطن تملك أوراق ضغط على حكومة طالبان، قائلاً: “نحن نحاول استعادتها لأنهم بحاجة لأشياء منا”، وقد صعّد من لهجته بتهديد مباشر، حيث كتب: “إذا لم تُعد أفغانستان قاعدة بغرام الجوية إلى من أنشأها… فإن أمورًا سيئة ستحدث!!!” ، كما انتقد ترامب بشدة إدارة بايدن لسماحها بالتخلي عن القاعدة “مجانًا”، معتبرًا ذلك خطأ استراتيجيًا فادحًا.

الرد الأفغاني: سيادة لا تقبل التفاوض
جاء الرد من كابول حاسمًا وقاطعًا، حيث أكد مسؤولون في حكومة طالبان، وعلى رأسهم رئيس أركان القوات المسلحة الأفغانية، قاري فصيح الدين فطرت، رفضهم المطلق لأي وجود عسكري أجنبي على الأراضي الأفغانية وعدم التفريط في أي شبر من الأراضي الأفغانية لأي جهة كانت، مضيفًا أن “التفاوض بشأن استعادة واشنطن لقاعدة بغرام غير ممكن”.
كما أكد مسؤولون أفغان أن بلادهم مستقلة تمامًا ولا تخضع لأي قوة أجنبية، وأن الشعب الأفغاني حارب لعقود من أجل سيادته.

ورغم الرفض العسكري، أبقت طالبان الباب مفتوحًا أمام علاقات اقتصادية وسياسية قائمة على ما وصفته “الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة”، شريطة عدم وجود أي قوات أجنبية، كما نفت طالبان بشكل قاطع ادعاءات ترامب السابقة بأن الصين تدير القاعدة حاليًا.

تحليلات وسيناريوهات محتملة
أثارت هذه المواجهة الكلامية موجة من التحليلات حول الدوافع الحقيقية والسيناريوهات المستقبلية المحتملة، حيث يرى محللون أن تهديدات ترامب قد تكون تكتيكًا تفاوضيًا للضغط على طالبان للحصول على تنازلات في ملفات أخرى، مثل مكافحة الإرهاب أو الوصول إلى المعادن النادرة التي تزخر بها أفغانستان، قد تستخدم واشنطن المساعدات الإنسانية أو الاعتراف الدولي كورقة ضغط.

فيما يعتبر محللون بأن سيناريو عملية عسكرية محدودة مستبعدًا ولكنه غير مستحيل، خاصة مع شخصية ترامب التي لا يمكن التنبؤ بتصرفاتها، حيث استعادة القاعدة عسكريًا تتطلب عملية لوجستية ضخمة (تقدر بأكثر من 10,000 جندي) ومخاطرة سياسية وعسكرية عالية، وهو ما قد لا يحظى بدعم داخلي أمريكي.

فيما يطرح البعض إمكانية التوصل إلى اتفاق سري يسمح بوجود استخباراتي أمريكي محدود في بغرام، مقابل دعم اقتصادي أو سياسي لحكومة طالبان، هذا السيناريو يتيح لواشنطن تحقيق هدفها بمراقبة المنطقة دون الحاجة لوجود عسكري معلن.

ويرى مراقبون أن إصرار الولايات المتحدة على العودة إلى بغرام قد يحول أفغانستان مجددًا إلى ساحة صراع بالوكالة بين القوى العظمى، وتحديدًا الولايات المتحدة والصين، وقد حذرت بكين بالفعل من أن “إثارة التوتر والمواجهة في المنطقة لن يلقى دعمًا”.

الخلاصة:

تمثل قضية قاعدة بغرام تقاطعًا معقدًا للمصالح الجيوسياسية، فمن ناحية، تكشف عن رغبة أمريكية في إعادة رسم نفوذها في آسيا الوسطى لمواجهة الصين، ومن ناحية أخرى، تضع حكومة طالبان أمام اختبار حقيقي لقدرتها على الموازنة بين الحفاظ على سيادتها الوطنية التي حاربت من أجلها، والحاجة إلى علاقات دولية لتجنب العزلة الكاملة.

الأيام القادمة ستكشف ما إذا كانت تهديدات ترامب مجرد مناورة سياسية، أم أنها بداية لتحرك أمريكي جاد ستكون له تداعيات كبرى على استقرار المنطقة بأكملها.

 

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com