المنبر الاعلامي الحر

صمود غزة يحطِّم الغطاء السياسي لـ “الاحتلال” ويُطلق شرارة اليقظة الدولية

صمود غزة يحطِّم الغطاء السياسي لـ “الاحتلال” ويُطلق شرارة اليقظة الدولية

يمني برس | تقرير | يحيى الربيعي
شهدت الساحة الدولية، وتحديداً الأوساط السياسية في الغرب، تحوّلات لافتة في المواقف تجاه العدوان المستمر لـ سلطات الاحتلال على قطاع غزة، الأمر الذي يُعد انعكاساً للضغط الشعبي المتصاعد وحركة الوعي المتنامية إزاء حجم الجرائم المرتكبة.
تجسدت هذه التحولات عبر جبهتين رئيسيتين: الجبهة الأوروبية التي تحركت من خلال قرارات حكومية وبرلمانية لـ مراجعة الاتفاقيات وحظر تصدير الأسلحة، مروراً بفرض العقوبات على مسؤولين ومستوطنين في خطوة نادرة؛ والجبهة الأمريكية التي تشهد حراكاً مجتمعياً وسياسياً متصاعداً، رغم محاولات القمع الأمني، حيث يتجلى التحول في وعي المؤسسات الكبرى مثل نقابات المعلمين التي قررت إنهاء الشراكة مع جهات تعتبر داعمة لخطاب سلطات الاحتلال.
بالتوازي مع ذلك، وبالنظر إلى التباين في المشهد العربي والإسلامي، يبرز الزخم الجماهيري اليمني كنموذج متجذر في الإيمان بالقضية الفلسطينية، حيث يُقدّم الدعم لـ فلسطين بالفعل والسلاح، في مقابل تراجع الزخم في غالبية الدول العربية والإسلامية بفعل قيود الأنظمة. هذا الحراك المتنوع دولياً، بشقيه الغربي والعربي، يمثل الأداة الرئيسية لمواصلة الضغط لوقف ما يُرتكب من جرائم إبادة، مع التأكيد على أن المقاومة هي الخيار الوحيد لردع المحتل واستعادة العزة والكرامة.

تحولات المواقف الغربية
شهدت الساحة السياسية الأوروبية تحوّلات ملحوظة في المواقف تجاه العدوان على قطاع غزة، في ظل تصاعد الضغط الشعبي على الحكومات لاتخاذ خطوات واضحة للضغط على سلطات الاحتلال لوقف العدوان. وقد برزت هذه التحوّلات من خلال عدد من الخطوات التي تمثل تحولاً نوعياً:
مراجعة الاتفاقيات وتجميد الشراكات: قرر الاتحاد الأوروبي مراجعة اتفاقية الشراكة مع الكيان الإسرائيلي، بسبب “الوضع الكارثي” في قطاع غزة، وذلك عقب اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد. كما أعلنت بريطانيا تعليق محادثات التجارة الحرة مع الكيان الاسرائيلي، في مؤشر على تزايد السخط الرسمي.
حظر وتجميد تصدير الأسلحة: صادق البرلمان الإسباني على توصية تدعو إلى حظر بيع الأسلحة لـ جيش الاحتلال الاسرائيلي، وتطالب بمنع توقيع أو استمرار أي عقود عسكرية مع دول متورطة في الإبادة الجماعية. وفي خطوة مماثلة، أوقفت بلجيكا وهولندا وبعض الدول الإسكندنافية تصدير الأسلحة إلى سلطات الاحتلال جزئياً أو كلياً. وفي فرنسا، مُنعت شركات الأسلحة الإسرائيلية من المشاركة في معرض باريس للدفاع، وهي رسالةٌ واضحةٌ عن بداية تحوّلٍ في معايير التعاون العسكري.
فرض العقوبات وسحب الاستثمارات: فرضت بريطانيا، إلى جانب كندا وأستراليا ونيوزيلندا، عقوباتٍ على وزراء متطرفين في حكومة الاحتلال، كما فُرضت عقوبات جديدة على مستوطنين في الضفة الغربية، في خطوة نادرة تشير إلى تزايد الغضب الغربي. وعلى صعيد الاقتصاد، سحب صندوق الاستثمار السيادي النرويجي استثماراته من العديد من الشركات الإسرائيلية.
ترافقت هذه الخطوات مع تصعيد في لهجة عدد من الحكومات الأوروبية تجاه جرائم الاحتلال، انتهت بالاعتراف الجماعي بالدولة الفلسطينية، مما يعكس تراجع الغطاء السياسي الممنوح لـ سلطات الاحتلال.

دور الحراك الشعبي في أوروبا
يرى رئيس “المجلس الأوروبي الفلسطيني للعلاقات السياسية”، ماجد الزير، أنّ “أحد أبرز العوامل التي ساهمت في تغيّر الموقف الأوروبي هو الحراك الشعبي المتصاعد”، مشيراً إلى أن عدد الفعاليات والتظاهرات الداعمة للشعب الفلسطيني قد بلغ – عدا بريطانيا – نحو 620 مدينة، و35 ألف مظاهرة وفعالية، في 20 دولة أوروبية، ما شكّل ضغطاً كبيراً على الحكومات الغربية (قدس برس).
وأضاف الزير أن من بين أسباب هذا التغيّر أيضاً “الإجراءات القانونية الدولية الصادرة عن محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات، التي تجرّم أي طرف ثالث يدعم الاحتلال الإسرائيلي”. وقد عزز هذا الضغط الوعي بأن أوروبا باتت تشعر بأنها فقدت تأثيرها في الساحة الفلسطينية.
من جانبه، قال القائم بأعمال رئيس “المنتدى الفلسطيني” في بريطانيا، عدنان حميدان، إن “الحراك الشعبي هو الوقود الحقيقي لهذا التغيير”، إذ نجح في “تحويل القضية الفلسطينية من ملف سياسي إلى قضية إنسانية تمسّ الضمير العام الأوروبي”. وأكد حميدان أن “التظاهرات الكبرى، والحملات الطلابية، والبيانات الصادرة عن مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية، ساهمت في خلق حالة وعي جديدة تحرج الحكومات الغربية وتمنعها من الاستمرار في الصمت أو التواطؤ”.

المشهد الأمريكي.. بين القمع واليقظة
في موازاة التحولات الأوروبية، تشهد الولايات المتحدة تصاعداً واضحاً في الحراك السياسي والاجتماعي المتعلق بالقضية الفلسطينية، وهو ما يعكس تحولات حادة في الرأي العام الأمريكي تجاه الصراع، في ظل محاولات مؤسسية لـ قمع الأصوات المعارضة للدعم الأمريكي غير المشروط لـ الكيان الإسرائيلي.
المضايقات الأمنية ومحاولات القمع: شهدت الولايات المتحدة سلسلة من المضايقات الأمنية التي تستهدف النشطاء الداعمين لفلسطين، حيث توجّه عملاء من مكتب التحقيقات الفيدرالي «FBI» إلى منازل نشطاء، بحجة “تقارير عن نشاطات معادية للسامية”، في سياق حملة أمنية يرى مراقبون أنها تعكس توجّهاً مؤسسياً لـ قمع الحراك الداعم لفلسطين.
الاحتجاج المدني على الشراكة الاقتصادية: في مدينة سانت بول بولاية مينيسوتا، برزت احتجاجات مدنية للمطالبة بـ عدم تجديد عقد شركة «Waterfall Security Solutions» الإسرائيلية، مؤكدة أن استمرار التعامل مع شركة ذات سجلّ في دعم أنظمة الفصل العنصري يشكل شراكة ضمنية مع الانتهاكات الإسرائيلية. هذه الاحتجاجات تؤكد أن المقاطعة الاقتصادية هي أحد أشكال الفعل الديناميكي الهادف للتأثير على مسار دعم الاحتلال.
تحول الوعي المؤسسي: شهدت «الرابطة الوطنية للتعليم «(NEA)، أكبر نقابة للمعلمين في الولايات المتحدة، تصويتاً تاريخياً أقرّ فيه الأغلبية إنهاء الشراكة مع «رابطة مكافحة التشهير» (ADL). جاء القرار احتجاجاً على مواقف المنظمة التي اعتبرها المعلمون “معادية للفلسطينيين” وترويجاً لـ “تطبيع التطهير العرقي الإسرائيلي في المناهج التعليمية”. هذه الخطوة النوعية تشير إلى أن القضية الفلسطينية لم تعد موضوعاً هامشياً، بل باتت جزءاً لا يتجزأ من نقاشات الحرية والعدالة داخل المجتمع الأمريكي.

التباين العربي
في المشهد العربي والإسلامي، يبرز تباين كبير في ردود الأفعال، حيث يتفاوت الحراك الشعبي حجماً وتأثيراً من دولة إلى أخرى، حسب طبيعة النظام الحاكم وقيوده المفروضة على الحريات العامة، يشير ناشطون ومحللون إلى أن الشعوب العربية والإسلامية “تعاني في معظمها من استبداد وقمع الأنظمة الحاكمة”، مما يفسر ضعف الحراك الشعبي في غالبية الدول. ويذهب الناشط الحقوقي والمحلل السياسي محمد العربي زيتوت إلى أن تراجع الزخم الشعبي المساند لغزة مردّه إلى “الاستبداد الرهيب الذي يسود المنطقة”، مؤكداً أن الفعاليات في الدول الغربية فاقت نظيرتها في غالبية الدول العربية.
كما نوّه مراقبون إلى أن “تناقص أو توقف الحشود العربية والإسلامية تجاه الحرب يعتبر ظاهرة سلبية قد تعبّر عن هشاشة علاقة الشعوب بما يجري في غزة، وأنها ليست أكثر من عواطف جياشة وانفعالات مؤقتة”. هذا الأمر يدعو إلى ضرورة العمل على ابتكار وسائل وأساليب جديدة قادرة على تحويل هذا التأييد إلى فعل ديناميكي قادر على التأثير في مسار تطورات الحرب سياسياً وعسكرياً.

اليمن.. زخم بشري متجذر بالإيمان
في سياق مغاير للتردد العربي الرسمي، يبرز الموقف اليمني كنموذج متفرد يدمج الزخم البشري الهادر بـالقرار العسكري الحاسم. يثبت اليمنيون، من خلال الاحتشاد الأسبوعي المستمر في أكثر من (1.438) ساحة وميدان، أنهم شركاء أصيلون في معركة فلسطين. هذا الحراك الجماهيري المتواصل، رغم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية القاسية والحصار المستمر، يكشف عن بُعد أعمق من مجرد الموقف السياسي؛ إنه سر الإيمان المتجذر الذي يرى في نصرة فلسطين عبادةً وواجباً لا يقبل التخاذل.
لقد تجسد صدق هذا الموقف الشعبي في مساندة العمليات العسكرية لقوات سلطات صنعاء التي استهدفت عمق الكيان الاسرائيلي، مؤكدةً أن الحضور اليمني في المعركة هو بالفعل والسلاح، متجاوزاً بذلك حدود الدعم اللفظي. ولتحمل رسالة مزدوجة: إلى فلسطين أنها ليست وحدها وإن ما عجزت عنه بيانات القمم العربية والإسلامية الباهتة، صنعه الشارع اليمني الذي رفع أعلام فلسطين جنباً إلى جنب مع الأعلام اليمنية، حاملاً رسالة مزدوجة: وعداً لغزة بعدم الخذلان، ورفضاً قاطعاً لعار الصمت والتقاعس من قبل الأنظمة المتخاذلة.
هكذا يصوغ اليمن حضوره في التاريخ: أمة محاصرة لكنها مرفوعة الرأس، تخوض معركتها بوعي لا يضلله إعلام ولا تقعده خيانة، مؤكدةً أن المقاومة هي الخيار الوحيد لردع المحتل، وأن الجهاد سبيل الأمة لاستعادة عزتها وكرامتها. ومع كل هتاف ودوي صاروخ، يضيق الخناق على العدو، ويضطرب وجدان الأمة لتستيقظ على حقيقة أن الحق لا يموت ما دام له رجال يفتدونه.

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com