المنبر الاعلامي الحر

لغة الإشارة… جسر أمني وإنساني للتواصل والعدالة

لغة الإشارة… جسر أمني وإنساني للتواصل والعدالة

يمني برس _ بقلم _ عقيد/ علي عبدالكريم المتوكل

ليست لغة الإشارة مجرد حركات تُترجم باليدين، بل هي منظومة لغوية متكاملة لها قواعدها وتراكيبها، تعبّر عن هوية إنسانية وثقافية عميقة لملايين الصم حول العالم. إنها الجسر الذي يربط هذه الفئة بمجتمعها، ويمنحها القدرة على المشاركة الفاعلة في الحياة العامة والأمنية على حد سواء.
يقول الله تعالى:
﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107].
ومن هذه الرحمة الإلهية ينبع مبدأ العدالة في التواصل مع الجميع دون استثناء، فكما أن الكلمة وسيلة للتفاهم، فإن الإشارة هي وسيلة للإنصاف وإيصال الحق لمن حُرم من السمع.

اليوم الدولي للغات الإشارة… تأكيد لحق التواصل الآمن

في الثالث والعشرين من سبتمبر من كل عام، تحتفل الأمم المتحدة باليوم الدولي للغات الإشارة، لتذكّر العالم بحق الصم في التواصل الكامل والآمن.
وهذا المبدأ يجد جذوره في قول الله تعالى:
﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ [الإسراء: 70].
فالكرامة الإنسانية تشمل الجميع، بمن فيهم ذوو الإعاقة السمعية، الذين لهم الحق في أن يُفهموا ويُحترموا وأن تُصان حقوقهم في المواقف الأمنية والقانونية كما غيرهم.

أهمية لغة الإشارة للأجهزة الأمنية

يقول الله تعالى:
﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾ [الأنعام: 152].
فالعدل لا يتحقق إلا حين يُمنح كل إنسان حقه في التعبير والدفاع عن نفسه، وهذا لا يكون للصم إلا إذا وُجدت لغة مشتركة تجمعهم برجال الأمن والقضاء.

إن إلمام رجال الأمن بلغة الإشارة ليس ترفًا معرفيًا، بل هو ضرورة مهنية وإنسانية، تُمكّنهم من:

أخذ الإفادات من ذوي الإعاقة السمعية بدقة وشفافية.

إيصال التعليمات أثناء الطوارئ والأزمات دون التباس أو تأخير.

تعزيز ثقة فئة الصم بالأجهزة الأمنية وضمان شمولهم في منظومة العدالة.

إن تمكين رجال الأمن من هذه اللغة يختصر الكثير من الأخطاء، ويحوّل الأمن من سلطة إلى شراكة قائمة على الثقة والاحترام. فالأمن الحقيقي لا يتحقق إلا عندما يشعر الجميع، بما فيهم الصم، أن القانون يحميهم وأن صوتهم مسموع وإن كان صامتًا.

لغة الإشارة بين المبادئ والواقع في غزة

في الوقت الذي تحتفل فيه الأمم المتحدة بيوم لغات الإشارة، نرى في غزة مأساة تُبيد الأطفال والنساء والرجال، ومن بينهم الصم وذوو الإعاقة، الذين يُحرمون من أبسط حقوقهم في الحياة والأمان والتواصل. هذا الواقع المأساوي يكشف التناقض الصارخ بين الشعارات التي ترفعها المؤسسات الدولية وبين صمتها على الجرائم التي تُسلب الإنسان حقه الأول في الحياة.

قال الله تعالى:
﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ﴾ [النساء: 75].

فالقرآن الكريم يجعل نصرة المستضعفين مبدأً مقدسًا، وواجبًا لا يسقط بالشعارات. ولا قيمة لأي احتفاء بلغة الإشارة أو بحقوق الإنسان إن لم يُترجم إلى موقف عملي ضد القهر والظلم والعدوان.

ختامًا
إن الاحتفاء بهذا اليوم الدولي يجب ان يكون أكثر من مجرد شعار يحتفى فيه بحركات صامتة، بل يجب ان يكون صوتا للأمن والعدالة والمساواة ونصرةً للمستضعفين، وجسر للتواصل الإنساني بين أفراد المجتمع كافة.
وعلى الأجهزة الأمنية والمؤسسات العدلية والتعليمية أن تجعل منها أداة فاعلة في حماية الحقوق، وتكريس مبدأ “الأمن للجميع دون استثناء”.
فحين يتقن رجل الأمن لغة الإشارة، لا يفتح باب التواصل فحسب، بل يرسخ معنى الرحمة التي نادى بها القرآن الكريم، ويحقق التكريم الإلهي لبني آدم في أسمى صوره.

Comments are closed.