المنبر الاعلامي الحر

الهروب إلى واشنطن .. اتفاق سعودي أمريكي في وجه يمن لا ينكسر

الهروب إلى واشنطن .. اتفاق سعودي أمريكي في وجه يمن لا ينكسر

يمني برس | تقارير
في خضم التطورات الإقليمية المتسارعة، ومع تصاعد الأصوات المنادية بإنهاء العدوان على اليمن، تسعى المملكة السعودية حاليًا لتوقيع اتفاق أمني مع الولايات المتحدة، في خطوة تعكس قلقًا واضحًا من عودة المواجهة العسكرية مع اليمن، بعد سنوات من الصراع الذي لم يحقق للسعودية أهدافها، بل أرهقها سياسياً واقتصادياً وأمنياً، في خطوة اعتبرها البعض محاولة للهروب من استحقاقات السلام مع اليمن، والتفافًا على المطالب المشروعة لصنعاء التي فرضت نفسها اليوم كقوة إقليمية يُحسب لها الحساب.

تأتي هذه الخطوة في ظل تغير جذري في موازين القوى؛ فاليمن لم يعد تلك الدولة الضعيفة التي بدأت عليها الحرب عام 2015. اليوم، تمتلك صنعاء قدرات صاروخية وبحرية متقدمة، وخبرة عسكرية عالية، وإرادة سياسية صلبة، كما عبّر عن ذلك السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي في خطابه الأخير، مؤكدًا أن اليمن بات أقوى قوة عربية، وأن زمن الوصاية قد ولّى.

التقرير التالي يتناول هذا التحرك السعودي من عدة زوايا، كيف يعكس هذا الاتفاق خشية سعودية من عودة المواجهة، لا سيما مع تصاعد القدرات اليمنية؟، ولماذا يعتبره كثيرون مجرد درع هش، لا يوفر حماية حقيقية في ظل تراجع الدور العسكري الأمريكي في المنطقة؟، وهل هو تحالف دفاعي أم غطاء لتمرير أجندات سياسية، على رأسها ملف التطبيع مع الكيان الصهيوني؟

في هذا السياق، يحاول التقرير أن يوضح أن الرهان على الحماية الأجنبية لم ولن يكون بديلاً عن السلام العادل، القائم على الانسحاب من الأراضي اليمنية ووقف العدوان ورفع الحصار. فالمنطقة لا تحتاج مزيدًا من التحالفات العسكرية، بل تحتاج شجاعة سياسية، وإرادة حقيقية لوقف نزيف الصراع.

هل هو بحث عن الأمن .. أم تهرب من الالتزامات؟

يأتي هذا التحرك السعودي في توقيت حساس، حيث كانت الرياض قد بدأت خلال العامين الماضيين بإبداء بوادر الانفتاح على المسار السياسي مع صنعاء، بوساطات إقليمية ودولية، وتراجع في وتيرة العمليات العسكرية، ما اعتبره البعض تحولًا نحو خيار السلام. لكن الاتفاق الأمني المرتقب مع واشنطن، وما يحمله من إشارات واضحة نحو الاصطفاف العسكري، يعيد إلى الأذهان حسابات الحرب أكثر من نوايا السلام.

يرى مراقبون أن المملكة تحاول من خلال هذا الاتفاق تجاوز استحقاقات الحوار المباشر مع اليمنيين، والتهرب من تنفيذ التزاماتها الإنسانية والسياسية، خصوصًا تلك المتعلقة بإنهاء العدوان، ورفع الحصار، ودفع التعويضات، وسحب قواتها من الأراضي اليمنية.

اليمن اليوم .. ليس كما كان في الأمس

في السياق ذاته، لم يعد اليمن كما كان في بداية العدوان عام 2015. فبعد أكثر من ثمان سنوات من الصمود والمواجهة، استطاعت اليمن تطوير قدراتها العسكرية بشكل لافت، خصوصًا في مجالي الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، إضافة إلى امتلاك قوة بحرية أثبتت كفاءتها في عمليات متعددة شهدتها المياه الإقليمية والدولية.

وقد أشار قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي حفظه الله، في خطابه الأخير إلى أن اليمن اليوم أصبح أقوى قوة عربية، مؤكدًا أن بلاده تمتلك إرادة سياسية ثابتة للدفاع عن السيادة الوطنية، ولن تسمح بعودة الوصاية الخارجية بأي شكل من الأشكال.

الأمن، فعليها أن تختار طريق السلام لا طريق الحماية الأجنبية، فاليمن لا يهاب التحالفات، ولا يتراجع أمام التهديدات، بل يملك الآن من أدوات الردع والقدرة العسكرية ما يجعله قوة قائمة بذاتها.

وبدلًا من الارتهان للمظلة الأمريكية، تطالب صنعاء الرياض بالاعتراف الكامل بحقوق الشعب اليمني، ووقف التدخل العسكري، وسحب كافة القوات المتواجدة داخل الأراضي اليمنية، فذلك وحده، كما أكدته القيادة اليمنية كفيل بإغلاق صفحة الحرب، وفتح صفحة جديدة قائمة على الاحترام المتبادل وحسن الجوار.

واشنطن والتطبيع .. الثمن الخفي

ثمة مؤشرات تفيد بأن الاتفاق الأمني بين السعودية والولايات المتحدة قد لا يكون خالصًا للأمن والدفاع، بل قد يرتبط بشروط سياسية تتعلق بالتطبيع مع الكيان الصهيوني، وهو ما قد يمثل تصعيدًا جديدًا في المنطقة، ويضاعف من تعقيد المشهد بالنسبة للرياض.

وفي حال مضت السعودية في هذا الطريق، فإنها قد تجد نفسها في موقع أكثر عزلة إقليميًا، وأمام معادلة أكثر صعوبة، خصوصًا إذا ما قرر اليمنيون الرد على هذا التحالف من موقع القوة لا الضعف، وعلى قاعدة أن الأمن لا يُشترى من الخارج، بل يُصنع بالكرامة والسيادة والاستقلال.

أخيراً

لقد أثبتت الحرب على اليمن أن القوة لا تصنع النصر، وأن المراهنة على الخارج لم تحقق الأمن للسعودية، وإذا كانت الرياض تريد فعلاً تجاوز هذه المرحلة، فإن الطريق الوحيد هو المصالحة الحقيقية مع الشعب اليمني، واحترام قراره السيادي، ووقف العبث بمقدراته، أما غير ذلك، فليس إلا تأجيلاً للصراع، وتأجيجًا لنار لن تنطفئ بسهولة.

Comments are closed.