بيروت تحتضن لقاءً تضامنيًا مع الصحفيين اليمنيين بعد الاستهداف الدامي
يمني برس | في أمسية خيّم عليها الحزن الممزوج بالغضب والإصرار، احتضنت العاصمة اللبنانية بيروت، لقاءً تضامنيًّا حاشدًا مع الصحفيين اليمنيين، نظّمته “لجنة دعم الصحفيين”، وذلك في أعقاب الاستهداف الدامي الذي طال مؤسسات إعلامية وإعلاميين في العاصمة صنعاء، والتي وصفت بأنها الأعنف منذ سنوات طويلة.
وقد شكّل اللقاء مساء اليوم الثلاثاء، منصة عربية موحدة لإدانة ما وصفه المشاركون بـ”العدوان الصهيوني الغاشم” على الكلمة الحرة، مؤكدين أنَّ استهداف الأقلام والكاميرات هو جريمة حرب مكتملة الأركان تهدف إلى طمس الحقيقة وإسكات صوت اليمن الداعم للقضية الفلسطينية.
النابلسي: دماء اليمنيين وقود لمعركتنا الإعلامية
في كلمته الافتتاحية، أكّد الأستاذ بهاء النابلسي، نائب نقيب الإعلام المرئي والمسموع في لبنان، أنَّ هذا اللقاء يمثل وقفة مسؤولية ووفاء تجاه تضحيات الزملاء في اليمن.
وأشار النابلسي إلى أنَّ “ارتقاء ما يزيد عن اثنين وثلاثين صحفياً في العاصمة اليمنية، إثر العدوان الإسرائيلي الذي استهدف صحيفتي (26 سبتمبر، واليمن) في العاشر من سبتمبر الجاري، لا يعبر عن همجية المعتدي فحسب؛ بل يختزل أيضًا تضحيات أولئك الشهداء”.
واعتبر هذه الجريمة، التي وصفتها لجنة حماية الصحفيين الدولية بأنّها “أعنف هجوم يتعرض له الصحفيون حول العالم منذ ستة عشر عامًا”، محاولة يائسة من “العدوّ الصهيوني” لإسكات صوت الحقيقة، مذكّرًا بأنّ هذه التصريحات سبقت الجريمة بأقل من أسبوعين، والتي أودت بحياة وزير الإعلام اليمني، “هاشم أحمد شرف الدين”، ورئيس الحكومة الدكتور “أحمد غالب الرهوي”، وعدد من الوزراء.
وشدّد النابلسي على أنَّ “واجبنا اليوم كإعلاميين هو أنَّ نستذكر زملائنا الشهداء، ونجعل من دمائهم وقوداً لمعركتنا الإعلامية ضد عدوّ الإنسانية جمعاء”، داعيًّا إلى نقل صوت اليمن المكلوم إلى المجتمع الدولي ليعرف العالم حقيقة ما يتعرض له الصحفيون هناك.
الخليل: استهداف الصحفي جريمة ضد الإنسانية جمعاء
من جهته، ربط خالد الخليل، ممثل ملتقى الصحفيين الفلسطينيين، بين الجرائم المرتكبة في اليمن وتلك التي ترتكب في فلسطين ولبنان وإيران، مؤكّدًا أنَّ العدوّ واحد والنهج الإجرامي متطابق.
وقال في كلمةٍ مؤثرة: “تخيلوا أنَّ آخر ما تراه عدسة الكاميرا هو وميض صاروخ أو قذيفة، هذه قصة مئات من الصحفيين الذين دفعوا حياتهم ثمنًا للكلمة والحقيقة”.
واستعرض الخليل أرقامًا مفزعة للتضحيات الإعلامية في غزة، مشيرًا إلى “ارتقاء ما يزيد على مئتين وسبعين صحفيًّا في غزة، واثني عشر شهيدًا في لبنان”، بالإضافة إلى استهداف مبنى التلفزيون الإيراني.
وأكد أن “كل صحفي يُستهدف يعني أن الحرية نفسها تستهدف، وأنَّ الحق يغتال”، وأعلن بوضوح: “نحن إعلاميي فلسطين، نقف اليوم إلى جانب زملائنا في اليمن، لنقول للعالم إنَّ حرية الصحافة خط أحمر، ودماء الإعلاميين لن تذهب سدى”.
وطالب الخليل المؤسسات الدولية بتحمل مسؤولياتها في حماية الصحفيين، مؤكّدًا أنَّ استهدافهم هو “جريمة حرب وفق القانون الدولي الإنساني”، واختتم كلمته بتوجيه التحية للشعب اليمني وقيادته على موقفهم التاريخي الداعم لأهلنا في غزة وكل فلسطين.
الزبيدي: صنعاء فضحت المعايير المزدوجة ودماء الشهداء أمانة في أعناقنا
بدوره، ألقى محمد الزبيدي، ممثل قناة “المسيرة” الفضائية، كلمة حملت غصة الألم وروح التحدي اليمنية، واصفًا الجريمة بـ”الصهيونية الوحشية التي استهدفت القلم والكلمة”، موضحًا أنَّ الصحفيين الاثنين والثلاثين استشهدوا “لأنهم مارسوا حقهم في نقل الحقيقة، ووقفوا بجانب أشقائهم في غزة، يفضحون جرائم الاحتلال”.
واعتبر الزبيدي أنَّ هذا الاستهداف هو “صرخة عجز من عدو أعماه الغرور، وفقد البصيرة، بعد فشله في كسر المقاومة في غزة”، مؤكّدًا أنَّ العدوّ أخطأ في حساباته، فـ”الكلمة لا تموت، والقلم الذي يُكسر اليوم، سيبعث غداً آلاف الأقلام”.
وشدّد على أنَّ مشهد صنعاء الدامي قد “غسل عار الصمت العالمي، ووضع العالم كله أمام مسؤولياته، فاضحًا المعايير المزدوجة ومسقطًا شعارات الحرية الزائفة”.
ووجه الزبيدي نداءً قويًّا إلى الإعلاميين الأحرار للتحول من موقع المشاهد إلى الفاعل عبر الكلمة والمقاطعة والضغط، مطالبًا “لجنة دعم الصحفيين” بتبني هذه القضية العادلة وجعلها قضية عالمية لا تُنسى، من خلال رفع ملفات الجريمة إلى المنظمات الدولية وإطلاق حملات حقوقية وإعلامية مستمرة.
واختتم الزبيدي بلهجة تحدٍ وإباء، بالقول: “ليعلم العدوّ أنَّ الدماء التي أُريقت في صنعاء لن تزيد شعبنا إلا إصرارًا، وصحافتنا إلا رسوخًا وجسارة.. نقول للعدوّ لقد أخطأت الحساب مرة أخرى؛ فاليمن لا يُرهب، وأحراره لا يسكتون”.
وخرج اللقاء برسالةٍ موحدة وواضحة: أنَّ الجرائم ضد الصحفيين في اليمن هي جزء من معركة أوسع تستهدف كل صوت حر في المنطقة، وأنَّ التضامن لا يجب أن يقتصر على الإدانات؛ بل يجب أن يترجم إلى فعل قانوني وإعلامي ضاغط لمحاسبة الجناة وضمان عدم إفلاتهم من العقاب.