المنبر الاعلامي الحر

مذبحة الضالع.. موقف “مؤتمري” لامسؤول و “إصلاحي” مشين .

يمني برس _ أقلام حرة :

بقلم / محمد عايش .

الصحفي محمد عايش
الصحفي محمد عايش

كم الساعة الآن؟
حوالي عشر ساعات مرت على المجزرة، و”ضبعان”.. لايزال خارج القضبان ولم يصدر بحقه أي قرار عسكري، لا بإيقافه ولابإحالته للتحقيق.. ولابشيء.
حوالي ثلاثة عشر شهيدا، وعشرات الجرحى، سقطوا في واحدة من أبشع المقاتل التي ستدون في تاريخ هذه الحكومة وهذا النظام. كان الضحايا في مجلس عزاء في منطقة سناح بالضالع، حين أمطرتهم دبابة عسكرية، تتبع اللواء 33 مدرع، بقذيفة (أو قذائف) أحالت المجلس إلى كتل من اللحم اختلطت فيه أشلاء الأطفال بالشباب بالمسنين، تاركة مشهدا يخلع القلوب.
مرت الساعات إذا، وستمر الأيام، ولا يبدو أن بإمكان “الحكم” و شركاء الحكم فعل أفضل مما فعلوه حتى الآن، ويمكن إيجازه بالتالي:

– بيان من اللجنة الأمنية العليا، تعلن فيه، كما بعد كل حادثة، بأنه تم “تشكيل لجنة للتحقيق”!
اليمنيون، بالأحرى، يريدون “لجنة” للتحقيق في ماهي “اللجنة الأمنية العليا” هذه أصلا؟ ما هو عملها بالضبط؟ من هم أعضاؤها؟ بموجب أي قانون مُنحت لها صلاحية “التغطية” على جرائم القتل والذبح وإنهاء الحقائق بشأنها بمجرد الإعلان عن تشكيل “لجنة”؟ ولماذا تموت كل اللجان المنبثقة عن هذه “العليا” دون أن تعلن للناس موتها على الأقل مثلما تعلن تشكيلها؟ من يتذكر كم في ذمة “الأمنية العليا” هذه من جرائم شكلت لها “لجانا” ووعدتنا بالكشف عن النتائج ولم تفعل؟.

– المؤتمر الشعبي العام أصدر بيانا أدان فيه الجريمة ودعا إلى تحقيق شفاف، وشكر رئيس الجمهورية على توجيهه بتشكيل لجنة تحقيق، وعبر عن تعازيه للضحايا.
سبعة أسطر في “المؤتمر نت” هي كل ما استحقته المذبحة من اهتمام المؤتمر الشعبي، لينهي بعدها مسؤوليته، كطرف حاكم، فيما انبرى بعض مناصريه في مواقع التواصل الاجتماعي ليدافعوا ضمنا عن “ضبعان” بعد أن صنفه خصومهم على “المؤتمر”.

هذه اللامسئولية المؤتمرية تنسى أن أقل إجراء، يفترض أن يتخذ فور هذه الجريمة، هو إيقاف المسؤول الأول عن الوحدة العسكرية، وإحالته للتحقيق، لمسؤوليته الاعتبارية أولا. فالناس، وأهالي الضحايا، خصوصا في وضع متوتر كالوضع في الجنوب، يريدون أن يروا أمامهم مسؤلا يدفع الثمن بشكل سريع، ليطمئنوا أن الدماء الطرية لن تجف قبل أن تنتصر لها العدالة، أما إحالة التهمة على جندي “الدبابة” والاعتقاد أن كل شيء قد تم حله بذلك، فإنه لا يكشف إلا استسهالا واسترخاصا للدماء على النحو الذي يجعل نهرها، كما نرى، متدفقا بلا نهاية.

– وكأنه قدرعلينا أن لا نكتب عن حدث سيئ دون أن يضطرنا “الإصلاح” للتطرق مجددا إلى سوء “الإصلاح”؛ فقد أصدر التجمع، كالعادة، بيانا عن الجريمة أقل ما يقال عنه بأنه مشين، وانتهازي، ويخلو من أي إشارة إلى أن من كتبه “إنسان” أولا وحزب سياسي وطني مسؤول ثانيا.

في البيان أدان الإصلاح الجريمة وسارع إلى تفسيرها أيضا، إذ قال إن الهدف منها “تعقيد المشهد السياسي بعد الانفراج الذي جاء بعد التوقيع على وثيقة حل القضية الجنوبية” ومستطردا بالدعوة إلى “تفويت الفرصة على من يريدون ضرب التوافق الوطني و (…)مؤتمر الحوار الوطني”!!..

الإصلاح في بيانه هذا، يبدو وكأنه لا يعرف أن مثل هذه المذابح، وما هو أكبر منها أو أصغر، تُرتكب بشكل دائم في الجنوب خصوصا منذ العام 2006م، تاريخ انطلاق حركة الاحتجاجات الجنوبية، إنه لا يريد أن يعترف أيضا أن المذبحة تأتي في سياق وضع متوتر ونازف في الجنوب، منذ سنوات، ومتصاعد في حدته منذ أسابيع، ولا أن يعترف بأن الجريمة، والتوتر برمته، هما محصلة الصمم القائم في صنعاء، وتعاليه (الإصلاح) وشركائه في الحكم عن الاعتراف بأن ثمة مشكلة حقيقية في الجنوب؛ لا مجرد مشكلة مفتعلة من “البيض” أو “إيران” أو “السعودية” كما تدعي وسائل إعلامه.

“الإصلاح” لا يريد الاعتراف بأي من ذلك كله، حتى لا يترتب على اعترافه تحمل أي مسؤولية في أطلاق أية عملية جذرية لمعالجة “القضية الجنوبية”، إن ما حدث برأيه هو أن مذبحة الضالع جاءت فقط لتفسد على الاستاذ اليدومي، والرئيس “هادي”، حفلة الاحتفاء بـ”وثيقة بن عمر”، وإلا فإن الجنوب آمن بأمان الله ولم يحدث أن عكر صفو أمنه، منذ 94، حتى دهس قطة على إسفلت!!

احتمال أن يكون للجريمة دوافع سياسية، يظل احتمالا واردا بالتأكيد، لكن “الإصلاح” هنا لم يكتف مثلا بالقول إنه يعتقد أن للجريمة بعدا سياسيا، وفقط ونقطة على السطر، بل استطرد ليتهم بشكل ضمني، ولكن شديد الوضوح، طرفا سياسيا بعينه، فمن يقفون ضد “وثيقة بن عمر” هم من يقفون وراء الجريمة، وهم هنا المؤتمر الشعبي العام والاشتراكي والناصري، على أن المعني في البيان كمانعرف هو “المؤتمر” و “صالح”.

أليس هذا هو المعنى القاموسي لـ”التوظيف” االسياسي المشين لجرائم القتل وسفك الدماء؟!! دعكم من هذا السؤال، أهم منه أن اليمنيين مدعوون للوقوف بحزم أمام سلوك الأطراف السياسية التي تفتح، عقب كل جريمة بشعة، بابا واسعا للمجرمين كي يفروا، حيث اعتاد “الإصلاح” على التعليق على كل جريمة بالقول إن “صالح” هو من يقف ورائها، ثم لا يحدد موقفا باعتبار صالح وحزبه شريكا في الحكم معه، أو لا يستخدم كل نفوذه للتحقيق حتى اثبات تورط صالح، ثم الضغط لمعاقبته، أبدا إنه فقط يرمي شماعة “صالح” في وجوه الناس بعد كل نزيف دموي جديد، ثم يقول “سنمضي”، وهي المفردة التي قالها اليدومي بعد ان اتهم “عائلة صالح” بالوقوف وراء جريمة العرضي؛ “سنمضي” في تحقيق أهداف “الثورة”!! أين تمضي؟ وبمن تمضي؟

على “الإصلاح” أن يثبت أن “صالح” خلف كل الجرائم التي اتهمه بها بالدلائل لا بالشائعات والتحليلات الصفراء، أو إنه إنما يوجه مثل هذه التهم ليخلي طرفه فقط من المسئولية عن الانهيارات الأمنية الفضيعة، والمتتالية، في البلاد.
صالح قد يقتل، وقد يرتكب مذابح أبشع، لكن القضية هنا لا تتعلق بـ”أخلاقيات” صالح، أو بتبرئة ساحته أو عدمها، بل بهذا “التمييع” لقضايا بخطورة قضايا القتل والمذابح، فالإصلاح، وهو الحزب الأكثر نفوذا في الحكومة، يحول دون الوصول إلى أي حقيقة وراء أي جريمة، أو اكتشاف أي قاتل، أو تحقيق العدالة لأية ضحية، فهو يعلن للجميع أن “المجرم” صالح، ولسان حاله: لا تتعبوا أنفسكم ولا تبحثوا عن أي فاعل.. و “سنمضي”!!.
هل هذا حزب “مسؤول”؟ ويمكن ائتمانه على أمن ومستقبل بلد؟ إنه السؤال المكرر للمرة المليون، وكل مرة هناك دائما مبرر فادح يقدمه الإصلاح لطرح هذا السؤال من جديد.

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com