المنبر الاعلامي الحر

السنوات العجاف وقود مستدام لجحيم التجويع

السنوات العجاف وقود مستدام لجحيم التجويع

يمني برس:

 

عمدت دول التحالف الأمريكي السعودي منذ 26 مارس 2015 إلى شن حرب اقتصادية على الوطن بالتوازي مع عدوانها العسكري، محاولة بذلك وضع خيار آخر لها في حال فشلها العسكري تضغط به على القيادة الوطنية الثورية التي أخذت بزمام الأمور في البلد عقب ثورة 21 أيلول 2014.

 

واستخدام دول العدوان وسيلة التجويع كسلاح بيدها لتركيع الشعب وإخضاعه للانصياع لها، كان ناتج دراسات أجرتها مراكز أبحاث تابعة للعدو الأمريكي والصهيوني والبريطاني بعد مراحل من استهدافها على مدى عقود لأهم روافع اليمن الاقتصادية، والتي كان بفضلها في قرون ماضية يشكل قوة اقتصادية كبيرة، وتتمثل تلك الرافعة في الزراعة.

 

وحين بدأ تحالف العدوان بعد سنوات من حربه على البلد التي فشل فيها خياره العسكري، بالتصعيد في خياره الآخر وهو الاقتصادي، عازيا نجاح ذلك الخيار إلى ضعف الأمن القومي الغذائي للبلد، والذي استهدفه العدو بتواطؤ من أنظمة حكم الوصاية البائدة طيلة سنين عدة.

 

الاستهداف بدأ في السبعينيات

 

يعود استهداف قوى الهيمنة والاستكبار للزراعة في اليمن إلى سبعينيات القرن الماضي، حين تواطأ نظام الحكم حينها مع البنك الدولي والمنظمات الدولية الموكل إليها ضرب القطاع الزراعي لدى الشعوب التي مثل عماد نهضتها الاقتصادية، وتحويلها من الاكتفاء الذاتي مما تزرعه إلى استيراد ما ينتجه العدو الأمريكي ومن يدور في فلكه.

 

وتؤكد المعلومات أن استهداف الزراعة في اليمن، لاسيما زراعة القمح، بدأ في السبعينيات، عندما قام البنك الدولي ومنظمة «الفاو» التابعة للأمم المتحدة بتوزيع أكياس من القمح مجانا على المزارعين والمواطنين الذين طالما كانوا يأكلون خبزهم مما تزرعه أيديهم وتنتجه أرضهم.

 

وظل توزيع أكياس القمح بالمجان فترة محددة، بعدها تم توزيعه بسعر زهيد جدا، وذلك أيضا ظل فترة، بعدها جرى رفع سعره بشكل تدريجي إلى أن وصل في التسعينيات إلى حد لم يتصوره من كانوا يحصلون عليه مجانا.

 

ويرى خبراء أن تلك الخطة جعلت من الجيل الناشئ في فترتها، لاسيما في مناطق الريف، يعتمد في حصوله على القمح على ما تقدمه المنظمة الدولية، وبعدها على السوق بسعر زهيد، فعزف عن زراعته في أرضه.

 

وأكد الخبراء أن اتكاء ذلك الجيل على القمح القادم من الخارج ولد انطباعاً بعيدا عن الزراعة لدى الجيل الذي لحقه، وباتت المدن وجهة ملزمة لسكان الريف، لعوامل عدة، أبرزها عدم وصول الخدمات إلى مناطقهم، كالإسفلت والكهرباء وغيرهما.

 

استهداف مشرعن باتفاقية

 

ولم يكن ذلك هو الاستهداف الوحيد، حيث كانت المرحلة الثانية، وفقا لعدد من الفلاحين كبار السن، هو تنفيذ منظمة «الفاو» مطلع الألفية الجديدة خطتها بشراء مخزون القمح البلدي لدى المزارعين عبر سماسرة من مكاتب الزراعة في عدد من المديريات الريفية وبضوء أخضر من الحكومة.

 

وأشار الفلاحون إلى أن الكثير سارعوا إلى بيع ما لديهم من مخزون من القمح البلدي سعيا وراء الثمن الباهظ الذي كانت تعرضه المنظمة الدولية عليهم عبر سماسرتها الرسميين المدفوعين من الحكومة.

 

بعدها وقعت حكومة الوصاية اتفاقية مع البنك الدولي تحظر على اليمن زراعة القمح وتشترط استيراده من مزارع أمريكية وصهيونية في أستراليا وغيرهما، وظهر عدد من التجار المستوردين لذلك القمح، وهذا الأمر اتضح عقب ثورة 21 أيلول 2014.

 

كما سهلت أنظمة الوصاية تمرير المنظمات الدولية لبذور قمح معدلة جينيا لتحل محل البذرة الأصلية المعروفة بإنتاجيتها العالية، فكانت تلك البذرة القادمة من معامل الغرب واحدة أيضاً من مراحل الاستهداف الممنهج، حيث اتضح لدى المزارعين أنه لا يمكنهم استخدام محصول تلك البذور المعدلة في الزراعة لأكثر من موسمين.

 

وأكد مصدر مسؤول، في تصريح خاص لصحيفة «لا»، أن من دلائل انخراط أنظمة حكم الوصاية في استهداف القطاع الزراعي إيكالها إدارة الإحصاء الزراعي في البلد للمنظمات الدولية المعنية بالزراعة.

 

وأوضحت مصادر خاصة لـ»لا» أنه خلال السبعينيات حقق اليمن 80 بالمئة من الاكتفاء الذاتي من محصول القمح وبقية المحاصيل اللازمة لتأمين أمنه الغذائي من الحبوب، وبدأ تدني تلك النسبة من نهاية ذلك العقد.

 

العدو يصعد استهدافه للقطاع الزراعي 

 

بدأ العدو مراحل هجومه على القطاع الزراعي باستهداف الفلاح، الذي يعد عمود القطاع. ومع بداية عدوانه في مارس 2015 استهدف الأرض ومصادر المياه، كي يضمن نجاح حربه الاقتصادية ويحصل على ما لم يحصل عليه بالحرب العسكرية.

 

وتشير إحصائيات رسمية إلى تراجع نسبة مساهمة ناتج البلد من المنتجات الزراعية من نحو 40% في منتصف السبعينيات لتصل إلى أقل من 17% في السنوات الأولى من هذا العقد، إذ لم يتجاوز متوسط نسبة مساهمة قطاع الزراعة بما في ذلك القات خلال الفترة 2011 ـ 2019 ما نسبته 17٪ من إجمالي الناتج المحلي للبلد.

 

وتؤكد الإحصائيات أن تلك المساهمة تراجعت مع بداية العدوان على الوطن إلى ما دون 5%، حيث نال قطاع الزراعة نصيبه من استهداف دول التحالف المعتدي. وأشار إحصاء للإدارة العامة للإرشاد والإعلام الزراعي، في فبراير 2016، إلى استهداف العدو لنحو 987 موقعاً وحقلًا زراعيّاً بشكل مباشر، مزروعة بمختلِف أنواع محاصيل الحبوب والفواكه والخضروات، بالإضافة إلى مساكن المزارعين، خاصة في محافظات صعدة وحجة والحديدة وتعز.

 

أما البنى التحتية، فأوضح التقرير أنه استُهدف بشكل مباشر 20 مبنى ومنشأة زراعية، و3500 من البيوت المحمية في صعدة وعمران، كما تعرض للقصف المباشر ما مجموعه 78 سوقًا ومركز تصدير وتخزين زراعي، وبلغ عدد الأخيرة خلال 2000 يوم من الصمود 672 سوقا ومركزا ومخزنا.

 

وأصابت الخسائر أيضاً مياه الري، وذلك بالقصف المباشر لنحو 19 منشأة مائية، ما بين سد وحاجز وخزان وقناة ري، تروي آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية، بالإضافة إلى 98 مضخة مياه آبار وغطاسات وشبكات ري حديثة.

 

مآلات التواطؤ مع قوى العدو ضد الزراعة

 

بلغ حجم ما يستورده اليمن من المواد الزراعية خلال الفترة (1999 ـ 2001) نحو 812 مليون دولار بما يعادل 37% من إجمالي الواردات، بينما بلغ متوسط الصادرات من المواد نفسها 71 مليون دولار، وهو ما يمثل 2.4٪ من إجمالي قيمة الصادرات.

 

وحصلت صحيفة «لا» على معلومات من مصادر خاصة تكشف نتائج تواطؤ أنظمة العمالة مع المنظمات الدولية التابعة للعدو الأمريكي في استهداف الزراعة في اليمن على مدى عقود، وانعكاساتها حاليا على الوضع الاقتصادي للبلد في ظل مواجهته عدواناً كونياً.

 

وتفيد المعلومات بأن اليمن يستورد حاليا من الخارج 1420 صنفاً من المحاصيل الزراعية، أهمها القمح، وهي أصناف بالإمكان زراعتها محليا.

 

وتوضح بأن حجم استيراد تلك المحاصيل وإلى جانبها اللحوم والألبان بلغ 5 مليارات دولار، بعد أن جعلت مراحل الاستهداف السابق ذكرها اليمن يستورد لقمة عيشه من الخارج، وهو ما يضغط به تحالف العدوان حاليا لتجويع الشعب وتركيعه.

 

ومن ضمن التفاصيل التي حصلت عليها الصحيفة أنه يتم استيراد الثوم من الصين بمبلغ 11 مليون دولار سنويا، بينما بلغت قيمة استيراد الفاصوليا البيضاء 34 مليون دولار، و400 مليون دولار حجم استيراد فول الصويا والذرة الداخلة ضمن مكونات أعلاف الدجاج.

 

وأكدت المصادر أن وزارة الزراعة، بالتوافق مع منظمة «الفاو»، تعمدت تغطية هذه الأرقام الصادمة لاستيراد بلد عُرف بالزراعة محاصيله الزراعية من الخارج، لكي يصبح فريسة سهلة بيد قوى الشر المعتدية عليه.

 

ثورة زراعية 

 

مثلما بدأ الأعداء ضربهم للقطاع الزراعي في اليمن باستهداف الإنسان الفلاح عبر خطط خبيثة تواطأ معها أذناب الوصاية، كان لزاما على قيادة ثورة 21 أيلول إعادة بناء ذلك الإنسان لإعادة القطاع الزراعي في الوطن إلى سابق مجده.

 

وكما كان المواطن اليمني هو الذي بادر إلى حمل سلاحه والذهاب الى جبهات الشرف لمواجهة قوى العدوان ومرتزقتها، في حين لم تتحرك المؤسسات العسكرية الرسمية، أولت القيادة الثورية منذ مطلع العام الجاري اهتماماً بالنهوض بالقطاع الزراعي والفلاح اليمني، وأكدت أن الجبهة الزراعية لا تقل أهمية عن الجبهة العسكرية.

 

وشددت على أهمية تفعيل المشاركة المجتمعية في تدشين ثورة زراعية تمثل نتائجها حصنا منيعا لليمن من حرب تحالف العدوان الاقتصادية، وتجعله خارج عوز ما تسمى منظمات الإغاثة التي تعمل ضمن أدوات الأعداء.

 

وشكلت المشاركة المجتمعية بعد تفاعل المواطنين معها فارقا كبيرا ورقما مهما في ظل الحصار الذي يفرضه تحالف العدوان ونهبه لثروات البلد النفطية، الأمر الذي قطع عن حكومة «الإنقاذ» إيراداتها اللازمة لدعم هذا التوجه.

 

719 حراثة تابعة لوحدة الحراثة المجتمعية 

 

واجهت اللجنة المشكلة بتوجيهات من سيد الثورة، السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي، مشكلات عند توجهها إلى وزارة الزراعة لطلب الدعم في ترجمة ثورة زراعية تكون سلاحا لمواجهة الحرب الاقتصادية، حيث تحججت الوزارة بعدم توفر الإمكانات، بفعل انعدام الموازنة ولم تستطع توفير ولو حتى حراثة واحدة.

 

كان هذا التوجه يعاني من مشكلة قلة الحراثات في محافظات معينة ووفرتها في محافظات أخرى، فكانت بحاجة إلى عدد من الحراثات تسهل على المزارعين أعمال حراثة الأرض وتهيئتها لزراعتها.

 

فتحركت القيادة الثورية نحو تفعيل المشاركة المجتمعية، التي كانت ركيزة الصمود في الجبهة العسكرية، لتكون ركيزته كذلك في الجبهة الاقتصادية. بعيدا عن حكومة الكساح والمؤسسات الرسمية.

 

وقال مصدر في اللجنة الزراعية إنهم نفذوا تلك التوجيهات بدءاً من محافظة ذمار، ودشنوا فيها «وحدة الحراثة المحتمعية» بعدد 13 حراثة تابعة للمؤسسة الاقتصادية. وفي أول يوم ساهم الفلاحون وتم تجهيز 43 حراثة. بعدها تحركوا إلى محافظة عمران وغيرها من المحافظات، وأصبحت الوحدة تملك حاليا أكثر من 719 حراثة، وهو رقم لا يمكن للوزارة توفيره.

 

وأضاف المصدر أن ما يميز حراثات الوحدة المجتمعية هو أن إيجار ساعة الحرث بها انخفض من 12 ألف ريال إلى 6 آلاف ريال، حيث ألزمت اللجنة شركة النفط بتوفير مادة الديزل لمالكي الحراثات.

 

وتعمل وحدة الحراثة في مختلف المحافظات وعلى مدار الساعة، حيث عملت في محافظات الجوف والحديدة وذمار وعمران وصنعاء وكل مناطق سيطرة الجيش واللجان الشعبية.

 

وللنهوض بثورة زراعية يشدد سيد الثورة على أهمية تفعيل المشاركة المجتمعية في العمل على زراعة القمح، ومع ترجمتها هذا العام الذي شهد هطول كمية غزيرة من الأمطار هي الأولى من نوعها خلال عقود.

 

كانت النتائج مذهلة، فقد أنتجت آلاف الأطنان من محاصيل القمح وبقية الحبوب الداخلة في تكوين الغذاء الرئيس لأبناء الشعب، من مزارع ذمار وعمران والجوف. وأكدت اللجنة أن كمية المحاصيل المزروعة ومساحة الأرض الزراعية ستتضاعف الموسم القادم، ليكون الناتج أكبر، حتى تحقق اليمن اكتفاءها الذاتي وأمنها الغذائي.

 

ولدعم هذا التوجه أفادت اللجنة بأنها طلبت من عدد من التجار المستوردين التعاقد مع المزارعين لشراء محاصيلهم المحلية بدلا من استيرادها من الخارج، مؤكدة أن عدداً من التجار تفاعلوا مع طلبها.

 

تحقيق : شايف العين – صحيفة “لا”

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com