ترامب يخذل “إسرائيل” وحزب الإصلاح
ترامب يخذل “إسرائيل” وحزب الإصلاح
في منتصف مارس الماضي، أعلن ترامب عن عملية واسعة في اليمن توعد فيها بالجحيم لأنصار الله والشعب بأكمله، عندها احتفلت وسائل الإعلام الإسرائيلية وتلك التابعة لمرتزقة اليمن، خاصة التابعة لحزب الإصلاح، وعاشت ملاهي يافا المحتلة وإسطنبول التركية ليلة صاخبة ابتهاجاً بالانتصار الأمريكي القادم لا محالة، وما هي إلا مدة زمنية بسيطة حتى تراجع ترامب حفاظاً على مصالحه الخاصة ومصالح بلده، وعلى حساب المصالح الصهيونية في المنطقة.
وكما أكد اليمن، بقيادة السيد القائد عبد الملك الحوثي، فإن اليمن ماضٍ في نصرة غزة، وأن العدو الأمريكي سيورط نفسه إذا تدخل لحماية الملاحة الإسرائيلية، وهذا بالفعل ما حدث، وقد أدرك العدو ذلك جيداً، وترك حليفه الصغير وأدواته الرخيصة منفردة في مواجهة قوة عظمى لا طاقة له ولهم بها، وأثبتت الأيام أن البحر الأحمر مغلق متى ما أراد الشعب اليمني إغلاقه، وأن الأسلم لأمريكا أن تمر منه مرور الكرام، وقريبا ستتخلى عن “إسرائيل” على نطاق أوسع.
هذا التراجع قوبل بموجة من النحيب، سواءً في الكيان الغاصب أو لدى يهود اليمن في حزب الإصلاح، الذي أثبت ولاءه المطلق لأعداء اليمن، وأنه على استعداد على تقديم أكثر مما يُطلب منه في سبيل تثبيت الوصاية والاحتلال على الشعب اليمني، كما يفعل حلفاؤهم بالضبط في سورية اليوم.
الضربة المعنوية التي تلقّتها “إسرائيل” من هذا التراجع لم تكن بسيطة. فهي التي هلّلت للعدوان، واعتبرته فرصة ذهبية لإنهاك الجبهة اليمنية وإبعادها عن محور المقاومة، وجدت نفسها أمام حقيقة مرة: أن واشنطن لم تعد قادرة على فتح جبهات جديدة، خاصة حين تكون الجبهة أمام خصم عنيد يمتلك الإرادة، ويملك أدوات الردع البحري والبري وحتى الصاروخي، وهو ما أثبته اليمن مراراً في عمليات نوعية طالت العمقين السعودي والإماراتي، وأحدثت الرعب في موانئ “إيلات” و”أشدود”.
أما حزب “الإصلاح”، فكان كما في كل مرة في موقع التابع والمراهن على الغير. إذ اندفع بكل ما أوتي من إعلام وتحريض لتبرير العدوان وتغطيته، وأطلق كتّابه العنان لتخوين كل من يعارض الحصار أو يرفض الوجود الأمريكي. وكان أبرز مظاهر هذا الولاء ما جاء في تصريحات قياداته التي ربطت صراحة بين بقاء الدعم الأمريكي، وبين استمرار قدرتهم على البقاء السياسي، وكأن الإصلاح قد تحوّل إلى فرع محلي لمصالح السفارة الأمريكية والصهيونية في آنٍ معاً.
لقد بات جلياً أن مشروع “الإصلاح” في اليمن لم يعد مشروعاً وطنياً بأي معيار، بل هو مجرد امتداد لفكر وظيفي يشبه ما تفعله الفصائل التكفيرية الحاكمة اليوم في الشمال السوري، حيث تُسلّم الأرض مقابل حفنة من الوعود الغربية، وتستجدي البقاء عبر التماهي مع مشاريع الاحتلال والتقسيم.
في المقابل، تصاعدت رسائل القوة من صنعاء، لا بالكلام فقط، بل بالعمليات النوعية التي استهدفت مطار اللد والسفن المرتبطة بـ”إسرائيل”، وأثبتت عملياً أن ممرات البحر الأحمر وخليج عدن لم تعد ملكاً لأحد إلا الشعوب التي تعيش على ضفافها. فقد وصلت الرسالة واضحة إلى البيت الأبيض: لن تكون هناك حماية للكيان الصهيوني ما دامت غزة تحترق وأطفالها يذبحون تحت الطائرات.
كما أن المواقف اليمنية التي عبّر عنها السيد القائد في أكثر من خطاب، رسمت حدوداً جديدة في الوعي الإقليمي: لا تراجع عن نصرة فلسطين، ولا مكان للمنافقين في ساحة المعركة، والعمالة اليوم لم تعد مجرد تهمة، بل فضيحة موثقة بأصوات وصور وتصريحات متلفزة.
إنها مرحلة جديدة، تُكتب بالدم والصبر والتضحيات، وقد اختار فيها اليمن أن يكون في قلب الصراع، لا على هامشه، وأن يكون معادلاً حقيقياً في ميزان الردع، لا تابعاً يُوظَّف عند الطلب. وما خذلان ترامب إلا أول الغيث في مسلسل طويل من التراجع الأمريكي ـ الصهيوني، الذي ستكتبه الأيام القادمة على جدران الموانئ، وفي صرخات المرتزقة التي لا تجد من يجيبها.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب