إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام: ملحمة الإيمان والتسليم في مدرسة الأنبياء.. قراءة في الدرس الخامس من القصص القرآني للسيد القائد عبدالملك الحوثي
يمني برس | خاص
ألقى السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي في محاضرته الخامسة ضمن سلسلة دروس القصص القرآني، اليوم الثلاثاء 7 ذو الحجة 1446هـ، درسًا إيمانيًا عظيمًا من حياة نبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام، مستعرضًا المواقف المفصلية في حياتهما، التي تمثل أعظم صور التسليم لله، والقيادة، والتربية الإيمانية، والنموذج الراقي في الطاعة.
القصص القرآني: منجم لا ينضب من العبر والهداية
استهل السيد القائد حديثه بالتأكيد على أن القصص القرآني مليءٌ بالدروس والعبر، والنماذج القدوات من الأنبياء والصالحين، الذين قدموا من واقع حياتهم ما هو كفيل بأن نستلهم منه ما نحتاج إليه في واقعنا، سواءً في أعمالهم، أقوالهم، مواقفهم، أو طريقة تعاطيهم مع مختلف التحديات.
كما أشار إلى أن العودة لهدى الله، سواء عبر التوجيهات أو القيم، تثمر في تزكية النفس، ورشد الإنسان وسمو فكره ووعيه. وقدّم القصة النبوية كدليل واقعي على نتائج هذا الالتزام.
إبراهيم عليه السلام: الإمام النموذجي والدور الممتد
وصف السيد القائد نبي الله إبراهيم عليه السلام بأنه نموذجٌ راقٍ، وإمامٌ جعله الله للناس من أنبياء وغيرهم، بما تميز به من حالة نفسية عظيمة تتجسد فيها محبة الله، وتعظيمه، والثقة به، واليقين، والتوكل عليه، والهدى في العلم والفهم والحجة، والقدرة على التفنيد والإقناع.
وقد بلغ به التسليم أن ظل ثابتًا حين قرر قومه حرقه، فكان في منتهى الاستسلام لأمر الله، حتى جاءته معجزة النار التي صارت بردًا وسلامًا عليه. ثم هيأه الله لدورٍ ممتد في الأرض المباركة التي قال عنها: {الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ}، لينطلق منها عطاءٌ إيمانيٌّ متواصلٌ عبر الأجيال.
الذرية المباركة: إسماعيل ثمرة دعاء ومشروع هداية
ركز السيد القائد على أن إبراهيم عليه السلام لم يكتفِ بالدور الفردي، بل سعى لأن تمتد الهداية في ذريته، فجاء المولود إسماعيل بعد طول انتظار، ما يجعل مشاعر الفرح به عظيمة، مقرونةً بعزيمة في تنشئته على الصلاح. وقد نشأ إسماعيل {مَعَهُ}، في كنف والده ورعايته وتربيته، حتى بلغ مرحلة {السَّعْيَ}، أي القدرة على المشاركة الفعلية في الحياة والعبادة.
وأكد أن هذا التماهي بين الأب والابن يعكس التماسك الأسري والتربية الإيمانية النموذجية التي تختلف تمامًا عن بعض الروايات الإسرائيلية التي تسيء لسيدنا إبراهيم، وتقدّم قصة هاجر وإسماعيل وكأنها نفي وطرد، وهو ما يتعارض كليًا مع النص القرآني الواضح.
الامتحان العظيم: التسليم لله فوق كل اعتبار
في هذه المرحلة من الفرح بالابن، والتأمل فيه كمشروع إيماني، يأتي الامتحان العجيب: {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ}. رؤيا تتكرر، بما يدل على التأكيد، ليجد إبراهيم نفسه أمام اختبار قاسٍ، ويشرك ابنه فيه بقوله: {فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى}.
هنا، يبرز مقام إسماعيل الإيماني، إذ يرد دون تردد: {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}، متجليًا في أعلى مراتب التسليم والأدب مع والده، خاليًا من التذمر أو الجزع، بل مشجعًا على تنفيذ أمر الله، ومعبّرًا عن صبره وذوبانه في الطاعة.
ذروة القصة: القمة في التسليم والنموذج البشري الراقي
بلغت القصة ذروتها حين {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ}، الأب والابن معًا في أقصى حالات الجهوزية النفسية والعملية لتنفيذ الأمر الإلهي. وقد وصف السيد القائد هذه المرحلة بأنها تمثل محور الإيمان، وتجاوز كل الحسابات العاطفية، والنفسية، والشخصية، امتثالًا خالصًا لله.
في اللحظة الحاسمة، جاء التدخل الإلهي بالفداء بذبح عظيم، تكريمًا لهذا الموقف النادر في التاريخ البشري، وتخليدًا له ليكون مناسبةً عظيمةً يوم العاشر من ذي الحجة، تذكّر البشرية بأعظم صور التسليم والطاعة.
الختام: الإيمان والتسليم معيار العلاقة بالله
ختم السيد القائد محاضرته بالإشارة إلى أن ما يُعيق الإنسان عن الطاعة غالبًا ما يكون مرتبطًا بالرغبات، الأهواء، الحسابات والمصالح… وكلما ضعف إيمان الإنسان، ضعف تسليمه لله.
أما المؤمن، فهو يُعظِّم أوامر الله، يعيش مع الواجبات بإحساس إيماني عالٍ، ويجعل أمر الله فوق كل اعتبار.
هذه القصة العظيمة التي تناولها السيد القائد تمثِّل بحق أعظم درس في التربية الإيمانية، والقيادة الراشدة، والتنشئة الصالحة، والتسليم المطلق لله، لتبقى نبراسًا للأجيال على مرّ العصور.