يوميات الإبادة في غزة.. 629 يوماً من الصمود في وجه الظلام !!
يمني برس | يحيى الربيعي
في صبيحة يوم الخميس الموافق 26 يونيو 2025، ومع بلوغ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة يومه الـ 629، تتكشف فصول جديدة من مأساة إنسانية غير مسبوقة بينما يلف الصمت الدولي أروقة الأمم، ويستمر الدعم الأمريكي في تغذية آلة الحرب، يواصل المدنيون في غزة صراعهم اليومي من أجل البقاء، محاصرين بين نيران القصف وويلات المجاعة. قصص حياة تُختتم قبل الأوان، ومعاناة تتفاقم في ظل حصار خانق وتجاهل عالمي مؤلم.
الخميس الدامي.. حصاد الموت في غزة
شهد هذا اليوم تصعيداً خطيراً في وتيرة القصف الإسرائيلي، مخلفاً وراءه المزيد من الضحايا الأبرياء. فمنذ فجر الخميس، أكدت مصادر طبية استشهاد 44 مواطناً جراء غارات ونيران إسرائيلية متواصلة. لعل المشهد الأكثر مأساوية كان في دير البلح، حيث استهدف قصف إسرائيلي سوقاً شعبياً قرب دوار البركة، مما أدى إلى استشهاد 17 مواطناً وإصابة العشرات.
تتوزع هذه الجرائم على امتداد القطاع، ففي شمال غزة استشهد الشقيقان مصعب وجهاد فرحان الكفارنة. وفي دير البلح أيضاً، ارتفعت حصيلة الشهداء إلى 8، بينهم أطفال، إثر قصف من مسيرة استهدف تجمعاً للمدنيين. لم تسلم رفح جنوباً من هذا العدوان، حيث استشهد 3 مواطنين برصاص جيش الاحتلال قرب “مركز مساعدات الشركة الأمريكية”.
تكررت مشاهد القصف المدفعي والجوي في مناطق عدة، من دير البلح إلى محيط منطقة العطار في مواصي خانيونس، وصولاً إلى حي التفاح شرقي مدينة غزة، حيث استشهدت مواطنة وأصيب آخرون. أما في جباليا البلد، فقد استهدف قصف منزل عائلة البرش، مما أسفر عن استشهاد 5 مواطنين وإصابة آخرين، بالإضافة إلى 4 شهداء آخرين قضوا في قصف مماثل. وفي حي الزيتون جنوب شرقي المدينة، استشهد مواطنان وأصيب آخرون جراء القصف، كما استهدف قصف إسرائيلي تجمعاً للمواطنين بوادي العرايس، مخلفاً شهداء وجرحى. وفي حي الشجاعية، ارتقى شهداء وأصيب عدد من المواطنين إثر قصف منزل.
لم يتوقف العدوان عند هذا الحد، فقد استشهدت المواطنة ملك أحمد فتحي حمدان متأثرة بجروح سابقة في الزوايدة، وأصيب مواطنان في بير النعجة شمالي القطاع. وفي خان يونس، أفاد مجمع ناصر الطبي باستشهاد مواطن بنيران مسيرة إسرائيلية في بطن السمين، فيما نفذ جيش الاحتلال عمليات نسف لمربعات سكنية في منطقة الكتيبة وبطن السمين. كما استشهد الشاب زكي صالح عبد زعرب (37 عاماً) بقصف من مسيرة قرب المقابر غرب خان يونس، والشاب توفيق سالم علي القديم (34 عاماً) بقصف مدفعي في وادي السلقا. وفي محيط المستشفى الأردني غرب خان يونس، ارتفع عدد الشهداء إلى 9. أما في مخيم النصيرات، فقد أصيب 3 مواطنين في قصف مسيرة إسرائيلية استهدف منزلاً لعائلة عقل.
تواصلت الجرائم مع إطلاق الزوارق الحربية الإسرائيلية النار بكثافة فجر اليوم على ساحل بحر خان يونس. وفي حي المجايدة بمواصي خان يونس، ارتقى 5 شهداء وأصيب آخرون جراء غارة استهدفت خيمة تؤوي نازحين لعائلة أبو عرب. كما استهدفت قوات الاحتلال منتظري المساعدات في محيط جسر وادي غزة، مما أسفر عن استشهاد 3 مواطنين وإصابة آخرين. وفي مواصي خان يونس أيضاً، استشهد المواطن آرام أحمد كدش وأصيب آخرون في قصف خيمة تؤوي نازحين. وأخيراً، استشهد 5 مواطنين وأصيب آخرون في قصف مدرسة عمرو بن العاص التي تؤوي نازحين بحي الشيخ رضوان غرب مدينة غزة.
الإبادة مستمرة.. أرقام صادمة وتواطؤ دولي
لم تعد الأرقام مجرد إحصائيات، بل هي صرخات تكشف حجم الفاجعة الإنسانية. فمنذ بدء العدوان الإسرائيلي، وبدعم أمريكي مطلق، ارتفعت حصيلة الشهداء إلى أكثر من 56,156 شهيداً و132,239 جريحاً، بالإضافة إلى أكثر من 11 ألف مفقود. المجاعة تفتك بالمدنيين، وقد أودت بحياة العشرات، فيما يعيش أكثر من مليوني فلسطيني في ظروف نزوح قسري وسط دمار شامل طال 88% من مباني القطاع، بخسائر تتجاوز 62 مليار دولار.
وتشير البيانات الصادرة عن المكتب الإعلامي الحكومي إلى استهداف منهجي للطواقم التي تحاول تخفيف هذه المعاناة، حيث استشهد 1,580 من الطواقم الطبية، و115 من الدفاع المدني، و220 من الشرطة، و754 من عناصر تأمين المساعدات. تجاوز عدد المجازر 15 ألفاً، استهدفت أكثر من 14 ألف عائلة، ومُسحت حوالي 2500 عائلة بالكامل من السجل المدني. كما دُمرت 149 مدرسة وجامعة كلياً و369 جزئياً، و828 مسجداً كلياً و167 جزئياً، بالإضافة إلى 19 مقبرة.
“مصائد الموت”..استدراج المدنيين لقتلهم
يكشف المكتب الإعلامي الحكومي عن حقيقة مروعة أخرى، وهي تحول ما يُسمى بـ”مراكز المساعدات الأمريكية-الإسرائيلية” إلى “مصائد للموت والاستدراج الجماعي”. فخلال شهر كامل، من 27 مايو حتى 25 يونيو 2025، راح ضحية هذه المصائد 549 شهيداً، و4,066 مصاباً، و39 مفقوداً من المدنيين الذين حاولوا الحصول على ما يسد رمقهم ورمق أسرهم.
هذه الجريمة المكتملة الأركان تتضمن استدراج المدنيين الجائعين ثم إطلاق النار عليهم بدم بارد ومنهجية يومية ووفق مواعيد محددة، مما يؤكد استخدام الغذاء كسلاح للقتل الجماعي. يطالب المكتب الإعلامي الحكومي بتحقيق دولي عاجل ووقف هذه الجريمة المنظمة ومحاسبة كل المتواطئين، مع التأكيد على ضرورة فتح المعابر ورفع الحصار لإدخال المساعدات الإنسانية إلى 2.4 مليون إنسان مدني في قطاع غزة.
كارثة صحية وشيكة.. نداء استغاثة من وزارة الصحة
أصدرت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة تصريحاً صحفياً يكشف عن مستويات كارثية للأوضاع الصحية والإنسانية. استمرار منع الاحتلال إدخال الإمدادات الطبية الطارئة دفع ما تبقى من مستشفيات عاملة إلى شفير الانهيار. أقسام المبيت والعناية المركزة تشهد اكتظاظاً يفوق القدرة الاستيعابية، في حين أن 45 غرفة عمليات فقط من أصل 312 تعمل بإمكانيات محدودة، مما يعيق إجراء التدخلات الجراحية المعقدة والطارئة.
يعاني القطاع من نقص حاد في الأدوية والمستهلكات الطبية، حيث رصيد 47% من الأدوية الأساسية و65% من المستهلكات الطبية صفر. كما أن 9 محطات أكسجين فقط من أصل 34 تعمل جزئياً. الأرقام تتحدث عن نفسها: 338 مريض أورام توفوا بانتظار السفر للعلاج بالخارج، و11 ألف مريض سرطان أغلقت أمامهم فرص العلاج. توفي 513 مريضاً بسبب منع الاحتلال مغادرتهم القطاع للعلاج، و41% من مرضى الفشل الكلوي راحوا ضحية الظروف الصحية المعقدة.
المستشفيات في شمال القطاع أصبحت خالية تماماً بعد محاصرتها وتدميرها، مما يزيد الضغط على مستشفيات مدينة غزة المنهكة. تزداد حالات سوء التغذية الحاد بين الأطفال الرضع، وتتفاقم الأمراض المعدية بسبب انعدام مصادر التغذية والمياه النظيفة، حيث سُجلت 59 ألف حالة إسهال مدمم و254 ألف مريض بجهاز تنفسي منذ بداية العام، بالإضافة إلى 337 إصابة بالتهاب السحايا.
تؤكد وزارة الصحة أن استمرار العدوان الإسرائيلي يعني انهيار ما تبقى من خدمات صحية، وتجدد نداءها العاجل إلى كافة الجهات المعنية بالتدخل لإنقاذ قطاع غزة من كارثة صحية وإنسانية وشيكة.
أكاذيب الاحتلال في تبرير التجويع وهندسة الفوضى
في بيان صحفي آخر، كذّب المكتب الإعلامي الحكومي بشكل قاطع الادعاءات الكاذبة التي أطلقها رئيس وزراء الاحتلال “نتنياهو” ووزير حربه “كاتس” حول مزاعم سيطرة الحكومة وحماس على المساعدات شمال قطاع غزة. وأكد المكتب أن هذه المزاعم المفبركة تهدف إلى شرعنة استمرار الحصار والتجويع ومنع دخول الإغاثة الإنسانية لليوم الـ 118 على التوالي.
وأوضح البيان أن العائلات والعشائر الفلسطينية هي من قامت بتأمين قوافل المساعدات شمال القطاع، في موقف شعبي لتوفير فتات الغذاء للمئات الآلاف من المدنيين الجائعين، دون أي تدخل من الحكومة الفلسطينية أو الفصائل. هذا الكذب الرخيص يكشف أن الاحتلال يواصل “هندسة الفوضى” ونشر الافتراءات لخلق مبررات واهية للاستمرار في إغلاق المعابر ومنع إدخال المساعدات، في جريمة مكتملة الأركان ضد أكثر من 2.4 مليون إنسان فلسطيني مجوّع في قطاع غزة.
في ظل هذا المشهد المأساوي، يبقى السؤال: إلى متى سيصمت العالم عن هذه الإبادة الجماعية، وماذا يتطلب الأمر لوقف هذا النزيف الإنساني؟