المنبر الاعلامي الحر

دمشق تحت “الستار الجديد”.. صعود الجولاني ومعادلة الاستباحة الصهيونية!!

بالنظر إلى المشهد السوري، وتحديداً، حيث أُسدل الستار على حقبة طويلة من حكم حزب البعث بسقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024. لم تكد أسابيع قليلة تمر، حتى كانت العاصمة دمشق على موعد مع تحول دراماتيكي هز الأوساط الإقليمية والدولية؛ تتسارع فيه الأحداث وتتغير الوجوه، ففي 29 يناير 2025، تولى أحمد الشرع، المعروف بأبو محمد الجولاني، منصب رئيس الجمهورية العربية السورية. نظام جديد، يبدو وكأنه ولد من رحم صفقات خلف الكواليس، ويحمل في طياته تساؤلات عميقة حول طبيعته ومستقبله، وعلاقاته المعقدة بالقوى الإقليمية والدولية، خاصة في ظل ما يراه مراقبون “مباركة” أمريكية صهيونية صامتة، تهدف إلى ترسيخ “معادلة الاستباحة” في المنطقة.

يمني برس | يحيى الربيعي

معادلة الاستباحة

في كلمته حول مستجدات العدوان الإسرائيلي على غزة والتطورات الإقليمية والدولية بتاريخ 17 يوليو 2025، حذر السيد القائد، عبدالملك بدرالدين الحوثي من أن “العدوان الصهيوني على سوريا مستمر بالرغم من المسار المعلن للتطبيع من الجهات المسيطرة على السلطة”، مؤكداً أن الأهداف الصهيونية تتجاوز أي تحولات داخلية، بما في ذلك الادعاء بـ”حماية الدروز والأقليات”، إلى الاستفادة من “السياسات الخاطئة للجماعات المسلحة في تعاملها مع الأقليات في سوريا”، علاوة على العمل من خلف الكواليس لإذكاء الصراعات على أساس طائفي ومذهبي بهدف “تفكيك شعوب الأمة” في السعي لتثبيت “معادلة الاستباحة” في دمشق وكل دول المنطقة.

فما يريده الاحتلال، كما أوضح السيد القائد هو “أن تقبل كل الأمة بمعادلة الاستباحة دون أي رد فعل من جانبها”، وهي معادلة تحقق للعدو أهدافه في “السيطرة والاحتلال والسطوة والجبروت والظلم”. وقبول ذلك معناه أن الأمة تقبل بأن تكون “مستذلة ومستعبدة ومقهورة ومستباحة” أمريكياً وصهيونياً. ووفقاً لتأكيدات السيد القائد.، فإن هذا التدخل لن يقتصر على التلاعب بالنسيج المجتمعي فحسب، بل سيمتد إلى فرض سيطرة عسكرية واسعة، حيث يسعى الاحتلال إلى “فرض سيطرة على مساحة واسعة في سوريا تمتد إلى قرب دمشق وتحت التصنيف الأمني للمناطق”، و”أن يتحكم ويضع سقفاً عاماً على العلاقات والتوجهات وحجم التسليح وعلى كل الأمور لتكون في مصلحته وتضمن هيمنته”.

 

مسرحية السيادة السورية ومعادلة الاستباحة

الشواهد على جاء في تحذيرات السيد القائد تتوالى، فـ”العدو الصهيوني أنشأ أكثر من 8 قواعد عسكرية شمالي القنيطرة، إضافةً إلى الممر الترابي المحصن بهدف الربط بين هذه القواعد والنقاط العسكرية”، وهو الواقع الذي لم يكن ليحصل لو لم يكن صعود الشرع مفاجئاً تماماً لمن يتابعون تطورات المشهد السوري المعقد. فجماعة “النصرة”، التي كانت مصنفة كفرع لتنظيم القاعدة في سوريا، شهدت تحولاً تدريجياً، بدءاً بتبديل اسمها إلى “هيئة تحرير الشام”، وصولاً إلى ما يُعرف اليوم بـ”نظام إسلامي” خلع عن نفسه ثوب مشروع “الخلافة الإسلامية” الذي كانت تناضل من أجله تلك الجماعة، ليرتدي ثوباً عصرياً يبدو موجهاً نحو حماية المصالح الأمريكية وحليفتها الاستراتيجية.

الشواهد على هذا التوجه باتت تتوالى بشكل لافت؛ ففي 30 يونيو 2025، وبحسب مصادر إعلامية أمريكية، أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمراً تنفيذياً ينهي العقوبات الشاملة المفروضة على سوريا، مع الإبقاء على بعضها ضد رموز النظام السابق. تلا ذلك، وفي خطوة أكثر إثارة للجدل، قيام وزارة الخارجية الأمريكية في 8 يوليو 2025 بإلغاء تصنيف هيئة تحرير الشام كمنظمة إرهابية أجنبية، ورفع مكافأة الـ 10 ملايين دولار التي كانت مرصودة لاعتقال أحمد الشرع (الجولاني) منذ 20 ديسمبر 2024. هذه الخطوات، وفقاً لتصريحات مسؤولين أمريكيين، تأتي في إطار سياسة واشنطن الرامية إلى “استدامة النفوذ في سوريا والتنسيق مع حلفائها، وعلى رأسهم الكيان الصهيوني”، وهو ما يصب مباشرة في ترسيخ “معادلة الاستباحة” التي يسعى العدو الصهيوني لتثبيتها في المنطقة، كما أشار السيد القائد.

بهذا التحول في الموقف الأمريكي، فُتح الباب على مصراعيه أمام الكيان الصهيوني لتكثيف عدوانه على ما اعتبره “موروث القوة السورية”، سواء كان ذلك على مستوى القوات الجوية، الصاروخية، البحرية، أو مراكز الأبحاث. إذ أعلنت سلطات الاحتلال خرقها لاتفاقية فض الاشتباك لعام 1974 مع سوريا بعد سقوط نظام الأسد، مؤكدة أنها لم تعد سارية. وباشرت خروقها السافرة باحتلال المنطقة العازلة في مرتفعات الجولان، وتوسيع الاستيطان ليشمل مناطق استراتيجية مثل جبل الشيخ والقنيطرة، في عملية توسع استعماري صريح يهدف إلى منع أي تواجد للنظام السوري الجديد في المنطقة، وتثبيت سيطرته الكاملة. هذا التحول في المشهد السوري، كما أكد السيد القائد، يندرج ضمن سعي العدو الصهيوني لفرض “معادلة الاستباحة” مع كل دول المنطقة دون ردة فعل، وأن “ما يريده الأمريكي والصهيوني هو أن تقبل كل الأمة بمعادلة الاستباحة دون أي رد فعل من جانبها”

.

السويداء.. دراما صراع داخلي بصبغة إقليمية تهدد النسيج المجتمعي

لم يكد نظام الشرع يستقر في دمشق، حتى انفجرت الأوضاع في محافظة السويداء ذات الأغلبية الدرزية، لتكشف عن تحديات داخلية عميقة. فمنذ الأحد الماضي 14 يوليو 2025، تصاعدت مناوشات بين مجموعات درزية وعشائر بدوية سنية إلى اشتباكات عنيفة أسفرت عن عشرات القتلى والجرحى، حسب وكالة رويترز. تدخلت القوات الحكومية السورية الانتقالية لـ”ضبط الأمن”، لكنها وجدت نفسها في مواجهة مباشرة مع المقاتلين الدروز المحليين. الصور الواردة من السويداء، والتي تظهر أفراداً من قوات الأمن يتخذون مواقعهم داخل المنازل وشاحنات عسكرية تجوب الشوارع، ما يعكس توتراً بالغاً واشتباكات مستمرة.

الرئاسة السورية الانتقالية أدانت العنف وأكدت التزامها بالتحقيق، لكن ذلك لم يوقف التصعيد. وبحلول ظهر الأربعاء، كان الوضع بالنسبة للدروز “يائساً”؛ فبعد أن كانوا يسيطرون على نحو 70% من السويداء يوم الثلاثاء، سيطرت قوات النظام على النسبة ذاتها بحلول الأربعاء. مصادر في جيش الاحتلال الصهيوني أشارت إلى أن النظام لديه نحو 200 من رجال الميليشيات يرتكبون “فظائع” ضد الدروز، بينما ذكرت إذاعة جيش الاحتلال في 16 يوليو 2025 أن 1000 آخرين من قوات الجيش السوري الرسمي يحاصرون المدينة ويعزلونها، وهو التصرف الذي أتاح للمصدر الصهيوني أن يلمح إلى أن النظام يستخدم هذا النموذج لإنكار تورطه المباشر من خلال استخدام ميليشيات تابعة لتنفيذ عملياته “القذرة” التي كانت مخططاً لها.

هنا تتجلى “المعادلة الثانية” والتي حذر السيد القائد فيها من أن العدو الصهيوني يسعى إلى تثبيتها، وهي “فرض دور له في الوضع الداخلي السوري تحت عنوان حماية الدروز والأقليات”. وأشار إلى أن “العدو الصهيوني استفاد من السياسات الخاطئة للجماعات المسلحة في تعاملها مع الأقليات في سوريا”، مؤكداً أن “العدو الصهيوني خلف الصراعات على أساس طائفي ومذهبي ليستثمر في ذلك بهدف تفكيك شعوب الأمة”.

 

معادلة “الحرب بين الحروب” وتثبيت الهيمنة

يزعم العدو الصهيوني في عقيدته الأمنية التي وضعها لتأمين ما أسماه بحدوده الشمالية، مع لبنان وسوريا، في استراتيجية تُعرف باسم “الحرب بين الحروب” (MABAM)، التي بموجبها تشرعن سلطات الاحتلال لنفسها إجراءات عسكرية مستمرة واستباقية لمواجهة التهديدات قبل تجسدها. وعقب هذه الاستراتيجية كثف العدو الصهيوني تدخلاته، وبشكل كبير في سوريا منذ بداية الحرب العدوانية عليها، محولة البلاد إلى ساحة حرب مفتوحة لحماية أمنه المزعوم وعلى المدى الطويل. ويتذرع الكيان في حملته الصهيونية، بثلاث ضرورات استراتيجية رئيسية: منع ما يسميه بالتغلغل الإيراني الذي أنشأ قواعد عسكرية وشبكة من الميليشيات الوكيلة، والعمل على تعطيل عمليات نقل الصواريخ الموجهة بدقة (PGM) من إيران إلى حزب الله في لبنان عبر الأراضي السورية، والحفاظ على حرية تحركاته في المجال الجوي السوري.

تتضمن التكتيكات الصهيونية بشكل أساسي الضربات الجوية، والتي غالباً ما تتم باستخدام معلومات استخبارات متقدمة، والموجهة بدقة لتحديد التهديدات وتحييدها. الأهداف النموذجية تشمل مستودعات الأسلحة، والمواقع العسكرية، وبطاريات الدفاع الجوي، والبنية التحتية الحيوية المرتبطة بالأنشطة الإيرانية وحزب الله، حسب زعمه.

تشير تقارير استخباراتية إقليمية إلى تزايد وتيرة هذه الضربات وكثافتها وارتفاع منسوب مزاعم العدو الصهيوني للتهديد بغرض شرعنة نهج استباقي للردع. على سبيل المثال، استُهدف مطار دمشق الدولي أواخر 2023 بمستودع أسلحة بزعم أنه تابع لميليشيات مدعومة من إيران وبهدف تعطيل نقل الأسلحة إلى حزب الله. كما شملت الضربات ريف حمص أوائل 2024 بزعم وجود موقع عسكري لحزب الله ومنع ما أسماه بالتغلغل الإيراني، وضرب مطار حلب الدولي منتصف 2024 بذريعة أنه يعد مركزاً لوجستياً للحرس الثوري الإيراني. وامتدت تدخلات العدو لتشمل طرطوس، ففي أواخر 2024 ضرب بطارية دفاع جوي لوحدات الجيش السوري بحجة أنها الداعمة لإيران للحفاظ على حرية العمل، وفي يونيو 2025، استهدف العدو منشأة لتصنيع الصواريخ في ريف دمشق بذريعة أنها منشأة تابعة لميليشيات مدعومة من إيران بهدف تعطيل ما أسماه بقدرات الصواريخ الموجهة بدقة.

إن تواتر الضربات الجوية للكيان الصهيوني داخل الأراضي السورية، وصمت الدفاعات الجوية السورية والروسية تجاهها، يشير إلى واقع جيوسياسي يستدعي التفسير. على الرغم من امتلاك روسيا أنظمة دفاع جوي متطورة في سوريا، فإنها تمتنع باستمرار عن الاشتباك الفعلي مع طائرات الاحتلال. وهو الامتناع الذي لا يتفق مطلقاً حتى مع التفسير المحتمل لهذا السلوك في أن الهدف الاستراتيجي الأساسي لروسيا يقتصر على تأمين موطئ قدم عسكري وسياسي لها في سوريا.

وحتى وإن كان هذا الامتناع يشير إلى وجود تفاهم قوي أو آلية لفض الاشتباك بين روسيا والكيان الصهيوني، وإن كان الأمر غير معلن، فإن هذا التفاهم يمكّن سلطات الاحتلال من “حرية العمل” وهو ما يشكل تهديداً ليس لموطئ القدم الروسي فحسب، وإنما للمشهد الجيوسياسي على النطاق الأوسع في بلاد الشام. وعلى الرغم من عدم مشروعية تحديد العدو الصهيوني لما يسميه بـ”خطوط حمراء” لمنع ما أسماه بالتغلغل الإيراني ونقل الأسلحة المتقدمة إلى حزب الله، فإن التزايد في وتيرة وكثافة الضربات الصهيونية في لبنان وسوريا يشير إلى أن هذه الخطوط تُتجاوز حدودها المعلنة باستمرار إلى درجة أن الاستجابة للعدوان بلغت قمة العربدة. السؤال الملح هنا: إلى متى يستمر السكوت على هذه الهمجية الصهيونية دون ردع إقليمي ودولي؟

هذا العدوان المستمر، كما أوضح السيد القائد، يهدف إلى “تثبيت معادلة الاستباحة دون ردة فعل”. وتتجسد “المعادلة الثالثة” التي يسعى إليها العدو الصهيوني في “فرض سيطرة على مساحة واسعة في سوريا تمتد إلى قرب دمشق وتحت التصنيف الأمني للمناطق”، حيث “يسيطر على منطقة سورية تحت عنوان أمني معين، ثم يعطي عناوين أمنية أخرى إلى قرب العاصمة دمشق”. وتتوج هذه الأهداف بـ”المعادلة الرابعة” التي يسعى العدو الصهيوني لتثبيتها في سوريا، وهي “أن يتحكم ويضع سقفاً عاماً على العلاقات والتوجهات وحجم التسليح وعلى كل الأمور لتكون في مصلحته وتضمن هيمنته”. ولعل الشاهد الأبرز على ذلك هو ما ذكره السيد القائد من أن “العدو الصهيوني أنشأ أكثر من 8 قواعد عسكرية شمالي القنيطرة، إضافةً إلى الممر الترابي المحصن بهدف الربط بين هذه القواعد والنقاط العسكرية”.

 

أهداف معلنة وأخرى خفية لتقسيم البلاد

مع تصاعد العنف في السويداء، دخل العدو الصهيوني على خط الأزمة بشكل سريع ومُعلن، ليكشف عن أهداف تتجاوز مزاعمه حماية من أسماهم بـ”الأشقاء الدروز”، والتي وصلت حد أن رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو حث المواطنين الدروز في الأراضي المحتلة على عدم عبور الحدود، بزعمه أنهم “يعرضون حياتهم للخطر”. مؤكداً أن ما أسماه “جيش الدفاع الصهيوني وسلاح الجو وقوات أخرى تعمل، ونحن نتحرك لإنقاذ إخواننا الدروز والقضاء على ميليشيات النظام”. وعقب ذلك، صرح وزير حربه كاتس أن سلطات الاحتلال ستصعد مستوى هجماتها على النظام السوري إذا لم ينسحب قريباً من السويداء، وتوعد كاتس بأن جنوب سوريا سيكون “منطقة منزوعة السلاح”.

ظهر الأربعاء، نفذ جيش الاحتلال الصهيوني 160 هجوماً جوياً على قوات النظام السوري في محيط السويداء وفي جنوب سوريا. بالإضافة إلى ذلك، هاجمت قوات الاحتلال أجزاء من وزارة الدفاع السورية والقصر الرئاسي في دمشق. وأفادت وكالة سانا للأنباء أن عدداً من الضباط أصيبوا وقتلوا في الغارات على المقر العسكري، بينهم قائد قطاع وضباط آخرون مسؤولون عن جزء من منطقة الحدود السورية.

إذاعة جيش الاحتلال، وفي 16 يوليو 2025، قالت إن الجيش يستعد لعملية عسكرية ستستمر عدة أيام لإقناع قوات النظام السوري بالانسحاب من محافظة السويداء وترك الحكم الذاتي للدروز السوريين. هذه التصريحات تكشف عن أبعاد استراتيجية تتعدى البعد الإنساني المعلن، فبحسب محللين عسكريين، فإن العدو الصهيوني يسعى لإحكام سيطرته على المناطق المتاخمة لمغتصباته في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتقسيم سوريا وإضعافها عبر ذريعة “الورقة الطائفية”، وهو ما يتسق مع ما ذكره السيد القائد حول سعي الاحتلال لفرض دور له في الوضع الداخلي السوري واستغلال الصراعات الطائفية.

وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقرير لها نشر في يوليو 2025 أن القوات الصهيونية نفذت ما لا يقل عن 22 توغلاً برياً في مناطق داخل محافظات القنيطرة وريف دمشق ودرعا في جنوب سوريا، خلال الفترة من 9 يونيو إلى 5 يوليو 2025. تضمنت هذه التوغلات قتل مدني شاب، واعتقال حوالي 13 مدنياً تعسفياً، وإنشاء نقاط تفتيش عسكرية مؤقتة، وتفتيش منازل المدنيين وهدمها. وأكدت الشبكة أن هذه العمليات الصهيونية المتكررة تهدف إلى فرض واقع أمني جديد من خلال توغلات برية تهدد الاستقرار المدني للسكان السوريين وللسيادة السورية.

يرى العقيد الركن المتقاعد نضال أبو زيد (عبر قناة الميادين) أن الاحتلال الصهيوني يستغل أحداث السويداء لاستهداف سوريا، معتمداً على تحريك “أذرعه” واللعب على الورقة الطائفية، رغم فشله سابقاً في استخدام ورقة العلويين في الساحل وورقة الأكراد في الرقة. وهو الآن يستخدم ورقة الدروز عبر أحد أذرعه، حكمت الهجري، الذي قد يوفر له الاحتلال السلاح والذخيرة.

كما ربط أبو زيد بين التصعيد الصهيوني في سوريا وبين “فشل الاجتماع الذي عقد في أذربيجان بين سوريا وسلطات الاحتلال، ورفض الجانب السوري للمطالب والضغوط الصهيونية. وعن عبور دروز السياج الحدودي في منطقة مجدل شمس إلى داخل سوريا، قال أبو زيد إن هناك محاولات لإقناع الدروز في الأراضي المحتلة بضرورة العودة إلى سوريا لدعم الدروز في السويداء. ورجح أن يكون الاحتلال بصدد إعادة استنساخ نموذج “جيش لحد” في جنوب لبنان، وهو سيناريو يُطرح في مطابخ الأمن الصهيونية، رغم أن نجاحه غير مضمون لأن الدروز في سوريا ليسوا كتلة واحدة وهناك من يدين بالولاء للدولة السورية.

 

لغز الصمت المريب والمفضوح في آن.. قبول معادلة الاستباحة

لقد انخرطت هيئة تحرير الشام بنشاط في حملة مستمرة للتخلص من تصنيفها “الإرهابي” وكسب شكل من أشكال الاعتراف الدولي أو على الأقل القبول. كما خضعت هيئة تحرير الشام لتطور ملحوظ وغالباً ما يكون متناقضاً. نشأت كـ”جبهة النصرة”، الفرع الرسمي لتنظيم القاعدة في سوريا، وقد نأت هيئة تحرير الشام بنفسها بشكل منهجي عن جذورها الجهادية، وأعادت تسمية نفسها وهيكلتها للتخلص من تصنيفها الإرهابي. يعكس هذا التحول جهداً محسوباً للانتقال من قوة متمردة بحتة إلى كيان أكثر براغماتية وتركيزاً على الحكم. لقد عززت هيئة تحرير الشام سيطرتها على العاصمة السورية دمشق وأجزاء كبيرة من البلاد، وأنشأت هيئة حكم الأمر الواقع، وهي “حكومة الإنقاذ السورية”. لقد تحول تركيزها بشكل كبير نحو الإدارة المدنية، وتقديم الخدمات، وإدارة الاقتصادات المحلية، والحفاظ على الأمن الداخلي.

ولكن، وفقاً لتحليلات مراكز بحثية متخصصة في الجماعات المسلحة، فإن الهيئة ورئيسها، والذي يشغل منصب رئيس الجمهورية، مضطرون للتخلي عن مسؤولية الدولة السورية في الدفاع عن السيادة تحت أعذار أقبح من الذنب، حيث أكد عدد من المحللين أن الرئيس أحمد الشرع لن يقبل على الانخراط في مواجهة عسكرية مباشرة مع الكيان الصهيوني، وهو لاعب دولي رئيسي يتمتع بدعم غربي قوي، تحت ذريعة أن ذلك سيعزز صورة هيئة تحرير الشام كقوة متطرفة ومزعزعة للاستقرار ويدعو إلى مزيد من الإدانة الدولية وربما يُعاد تصنيفها تحت قائمة الإرهاب. مؤكدين أن “التركيز الاستراتيجي لهيئة تحرير الشام تحول بشكل واضح نحو إنشاء وصيانة الحكم، وتقديم الخدمات، وضمان الاستقرار داخل الأراضي التي تسيطر عليها في إدلب”. ولعل ذلك يبدو جلياً من خلال امتناعها المستمر عن مواجهة الكيان الصهيوني، حيث تشير تصريحات هيئة تحرير الشام على لسان أحمد الشرع وقيادات الدولة السورية الجديدة إلى ما تسميه بـ “درجة عالية من المسؤولية والالتزام بالشؤون الداخلية” بدلاً عما تصفه بـ”الانخراط في حروب إقليمية بالوكالة في الأوسع هي مدفوعة بأيديولوجيا”.

هذا السياق هو التعبير الأكثر قرباً من مسار التأكيد على أن الضربات الصهيونية المستمرة وغير المعارَضة إلى حد كبير، إلى جانب عدم قدرة النظام السوري الواضحة على الدفاع بفعالية عن مجاله الجوي أو أراضيه، ينذر بحتمية التآكل العميق والمستمر للسيادة السورية، بل ويؤكد على أن تواجد هذا النظام لا يتعدى الوجود الاسمي، وأنه ليس أكثر من ساحة معركة للقوى الخارجية، محدودة الصلاحية وبسلطة رمزية إلى حد كبير خارج مناطق سيطرتها الأساسية.

هذه الديناميكية تديم تجزؤ سوريا وتعيق بشكل كبير أي تقدم ذي مغزى نحو بناء دولة ذات سيادة كاملة وتوطين حل سياسي شامل مقبول من كل شرائح وطوائف وتكوينات المجتمع السوري. فضلاً عن أن اعتماد النظام العميق على الجهات الفاعلة الخارجية، لا سيما أمريكا ودول الخليج، يضعف شرعيته الداخلية وقدرته على العمل كدولة مستقلة حقاً، ويؤكد على أن “معادلة الاستباحة” قد ترسخت.

إن الضربات الجوية الصهيونية تحدث بانتظام في عمق الأراضي السورية، وغالباً ما تستهدف البنية التحتية الحيوية مثل المطارات. في المقابل، يمتلك النظام السوري، الحكومة المعترف بها دولياً، قدرات دفاع جوي محدودة وغير فعالة وغير قادر على منع هذه التوغلات. والأهم من ذلك، أن روسيا، وهي حليف عسكري قوي يمتلك أنظمة دفاع جوي متطورة في سوريا، تمتنع إلى حد كبير عن التدخل لحماية السيادة السورية ضد الإجراءات الصهيونية. هذا يشير إلى أن المفهوم التقليدي لسيادة الدولة، الذي يفترض سلطة الحكومة الحصرية والعليا على أراضيها، قد تم تقويضه بشكل عميق في سوريا، بل ويتيح المجال واسعاً أمام القوى الخارجية للعمل بحصانة لا سيما في استغلال الأوضاع الداخلية وتغذية صراعاتها وحروبها الأهلية، مما يؤكد أن “المطلوب أمريكياً وصهيونياً من الأمة أن تقبل بأن تكون مستذلة ومستعبدة ومقهورة ومستباحة”.

 

خلاصة القول: دعوة لمواجهة مشروع التفتيت

ختاماً، فإن دعوة السيد القائد للجماعات المسلحة المسيطرة في سوريا إلى تغيير نهجها المعادي على أساس طائفي ومذهبي، والتعامل مع الداخل بطريقة مختلفة، تأتي في وقتٍ حساس يناشد ضرورة تبني وحدة الوطن وترسيخ قيم التعايش والمساءلة بعيدًا عن الاستغلال من قبل العدو الصهيوني، الذي لطالما حاول ترويع واستغلال ثغرات المجاميع والشراكات الإقليمية والدولية لتحقيق مصالحه الضيقة على حساب وحدة سوريا وأمنها.

وفي ظل ذلك، تتكشف هشاشة اتفاقات وقف إطلاق النار الأخيرة، التي لم تتجاوز مجرد تلافي التداعيات المباشرة للمواجهات، في ظل غياب حاسم لدور الدولة الموحدة، الأمر الذي يعمق أزمات الصراعات الطائفية ويغذي بؤرها المشتعلة، خاصة في محافظة السويداء. ورغم أن الاتفاق يُخفف بشكل مؤقت من وطأة العنف ويحد من التصعيد، إلا أنه لا يوقف التدخلات الخارجية، لاسيما من قبل الكيان الصهيوني الذي يواصل مراحله العدائية، ويعمل على استثمار أزمات السوريين ومصيرهم لمصالحه الخاصة، من خلال ذرائع حماية الفئات المحاصرة، فيما تواصل القوى الإقليمية والدولية مخططاتها في خدمة مصالحها على حساب الشعب السوري.

وفي مواجهة هذه التحديات، فإن البديل الحقيقي يكمن في أن تتعافى هيئة تحرير الشام من سلوكياتها غير الوطنية، وأن تتجه نحو بناء دولة سورية جامعة، تنطلق من إعادة أدلجة استراتيجية الحكم بحيث تكون الدولة الحاضن الحقيقي لجميع مواطنيها، على اختلاف طوائفهم ومعتقداتهم. فقط من خلال ذلك، تتمكن المؤسسات الرسمية من سد الفجوة مع الشعب، وتفويت الفرصة على التدخلات الخارجية التي تهدف إلى استغلال الخلافات والطائفية، لتحقيق مصالحها على حساب وحدة الوطن وسلامته. وإذا غابت هذه الرؤية، فإن السوريين سيستمرون في دفع الثمن، وسيظل مستقبل سوريا مرهونًا بمدى قدرة الدولة على بناء مؤسسات قوية، تعكس سيادتها الحقيقية، وتقف في وجه مخططات التآمر والتفتيت، في مواجهة “معادلة الاستباحة” التي يفرضها العدو الصهيوني، والتي تهدد كيان الأمة برمتها.

قد يعجبك ايضا