جنوب اليمن على حافة الإفلاس.. اعترافات رسمية تؤكد انهيارًا اقتصاديًا وشيكًا
يمني برس | تقرير
لم يعد الحديث عن انهيار اقتصادي شامل في جنوب اليمن مجرد تكهنات أو تحليلات اقتصادية، بل تحوّل إلى اعتراف رسمي على لسان كبار مسؤولي ما تسمى “الشرعية”، ففي تصريح صادم وخارج عن المألوف، أعلن رئيس حكومة المرتزقة، سالم بن بريك، أن “الانهيار الاقتصادي أصبح واقعًا ملموسًا وليس مجرد احتمال”، ما اعتُبر بمثابة إعلان وفاة اقتصادي علني.
لكن هذا التصريح لم يكن سوى القمة الظاهرة من جبل الجليد، إذ سبقه اعتراف أخطر من محافظ البنك المركزي في عدن، الذي كشف عن وجود 147 جهة حكومية لا تخضع لأي رقابة مالية، ولا يُعرف مصير إيراداتها.
هذان التصريحان من قمتَي السلطة السياسية والنقدية، يختصران ملامح المشهد: دولة بلا موارد فعلية، وبنك مركزي منزوع السيادة، واقتصاد تسيطر عليه شبكات نفوذ محلية وإقليمية خارج الإطار الرسمي.
أولى مظاهر الانهيار: إيرادات الدولة خارج سيطرة الدولة
في أي دولة طبيعية، تُعتبر السيطرة على الموارد العامة شرطًا أساسيًا لإدارة السياسة المالية، إلا أن الوضع في المناطق المحتلة يسير باتجاه مغاير تمامًا:
مؤسسات حكومية حيوية مثل الجمارك، الموانئ، الضرائب، النفط، والغاز تُدار كجزر مالية منفصلة.
لا تورد للبنك المركزي، ولا ترفع تقارير لوزارة المالية، ولا تخضع لأي نوع من الرقابة أو التدقيق المحاسبي.
بعضها يُبقي على إيراداته في حسابات بنكية خاصة داخل وخارج البلاد، في تجاوز صارخ للقانون المالي العام.
المحافظات المنتجة تتحول إلى “جمهوريات مالية مستقلة”
المفارقة أن المحافظات الغنية بالموارد باتت تُدار كمناطق حكم ذاتي مالي، تُسير إيراداتها بشكل مستقل عن السلطة المركزية:
مأرب تحتفظ بعائدات النفط والغاز والكهرباء دون أن تُورد للبنك المركزي، وترفض الإفصاح عن حجم الإنتاج أو التصدير.
حضرموت تُصدر النفط منذ سنوات، وتُدار العائدات من قبل قوى محلية تحت يافطة “السلطة المحلية”.
شبوة تشهد صراعًا مفتوحًا على الموانئ والنفط، وتُنهب مواردها بعيدًا عن أي سلطة مركزية.
المهرة وسقطرى تخضعان تدريجيًا لنفوذ إماراتي وسعودي مباشر، مع تغييب شبه كامل لما تسمى بالحكومة.
المناطق العسكرية.. من مؤسسات أمنية إلى مراكز جباية
باتت المناطق العسكرية في الجنوب تُمارس أدوارًا مالية أشبه بإقطاعيات مستقلة:
تُجبى الأموال من التهريب، رسوم الترسيم، النقاط الأمنية، والمشتقات النفطية.
تُصرف هذه الأموال بعيدًا عن وزارة المالية والبنك المركزي، وتُستخدم لشراء الولاءات أو تُحوّل إلى حسابات خاصة.
لا رقابة ولا مساءلة، ما جعل هذه المعسكرات تتحول إلى “دولة داخل الدولة”.
في المقابل.. لماذا لم ينهَر البنك المركزي في صنعاء؟
رغم الحصار والحرب والموارد المحدودة، استطاعت حكومة صنعاء إدارة الملف المالي بشكل أكثر تماسُكًا:
تم توحيد الإيرادات في حسابات رسمية، وشملت الزكاة والجمارك والضرائب.
تُصرف رواتب منتظمة للقطاعات الحيوية.
خضعت شركات الصرافة لرقابة صارمة وتم كبح المضاربة بالعملة.
تُدار السياسة النقدية من جهة واحدة تُصدر قرارات مركزية وتحُد من الفوضى.
هذا يثبت أن الاستقرار ليس مسألة تمويل خارجي بقدر ما هو نتاج لإرادة سياسية ورؤية مالية منضبطة.
البنك المركزي.. حين يفقد وظيفته الأساسية
ليست مهمة البنك المركزي مجرد إصدار النشرات السعرية أو طباعة العملة، بل هو المحور الأساسي في الدورة الاقتصادية، وعندما تُحجب عنه الإيرادات، يصبح مجرد “صندوق بريد” لإعلانات العجز.
في عدن، لم يعُد البنك مصدر القرار، بل بات تابعًا، فيما تُسيّر الأمور فعليًا من المحافظات والمليشيات والجهات الخارجية.