المنبر الاعلامي الحر

في “طبخة إذعان” على نار هادئة.. لبنان على حافة الهاوية

في العاصمة بيروت التي أنهكتها الأزمات، تتصاعد فصول درامية جديدة في مسرحية سياسية محكمة، أبطالها مبعوثون دوليون وقوى داخلية، وضحيتها الوطن. فبعد زيارة المبعوث الأمريكي، توم براك، الذي حمل معه ما وصفته المقاومة اللبنانية بـ”مذكرة الإذعان”، يجد لبنان نفسه على مفترق طرق خطير. هذه المذكرة، المغلفة بصيغة “مبادرة دبلوماسية”، هي خطة مفصلة للتفكيك، من شأنها أن تُشعل فتيل صراع إرادات بين “إذعان حكومي” يرى في التنازل خلاصاً، وبين “حزب الله” الذي يرى في المقاومة حصناً للسيادة.

يمني برس | يحيى الربيعي

“طبخة” الإذعان على نار هادئة

لم يأتِ المبعوث الأمريكي براك إلى لبنان حاملاً حلولاً، ولكنه  حمل مخططاً يُعرف بـ”الطبخة الأمريكية الصهيونية”، وهي استراتيجية تهدف إلى تحقيق ما فشل العدو الصهيوني في تحقيقه عسكرياً. هذه الطبخة، التي يُطبخها العدو بمهارة أمريكية، وتُقدمها قوى لبنانية داخلية، تعتمد على التدرج في الضغط والإغراء، لتجريد لبنان من قوته شيئاً فشيئاً.

المذكرة التي حملها براك تضمنت حزمة من الإملاءات الهادفة إلى نزع سلاح المقاومة، بما في ذلك “القنابل اليدوية” و”قذائف الهاون”، وصولاً إلى تفكيك 50% من بنيتها التحتية في غضون 30 يوماً، بحسب ما كشف عنه سماحة الشيخ نعيم قاسم، والذي اعتبرها مطالب تعجيزية وتُظهر أن الهدف أكبر من نزع السلاح، مشيرا إلى أن هذه المطالب صيغت لإيجاد ذريعة لإدانة لبنان وتفكيك جبهته الداخلية.

لقد استجابت الحكومة اللبنانية لهذه الضغوط بشكل علني، وكلف رئيسها، نواف سلام، الجيش بوضع خطة لـ”حصر السلاح بيد القوى الشرعية”. هذه الخطوة، التي وصفها المحلل السياسي وسيم بزي بأنها “التزام بما طُلب منه خارجياً”، تُظهر أن الحكومة فضّلت الانصياع للأوامر الخارجية على حساب الأولوية الوطنية، والمتمثلة في مواجهة الانتهاكات الصهيونية المتكررة لاتفاق وقف إطلاق النار، والتي تجاوزت 4 آلاف خرق، بحسب ما أشار إليه بيان حزب الله.

إن القوى السياسية الموالية لأمريكا في لبنان، والتي ترفع شعار “لا نريد أن تتحول بيروت إلى غزة أخرى” كذريعة للاستسلام، تلعب دوراً محورياً في هذه “الطبخة”. هذه القوى، كما وصفها سماحة الشيخ قاسم، تتبع “منطقاً أعمى” في مواجهة العدوان الصهيوني، وتوجه جهودها نحو التأليب على المقاومة، وهو ما يزيد المشهد تعقيداً ويدفع بالبلاد نحو الهاوية.

 

عندما يتحول قرار الحكومة إلى “وصفة” أمريكية صهيونية

يتحول الواقع في لبنان من خلاف سياسي إلى محاولة منظمة لإخضاع البلاد لإملاءات خارجية. ففي أعقاب الزيارة الأخيرة للمبعوث الأمريكي، توم براك، حملت الحكومة اللبنانية قرارًا بتكليف الجيش بوضع خطة لـ”حصر السلاح بيد القوى الشرعية”، وهو ما اعتبره حزب الله في بيان رده على القرار الحكومي الأخير “خطيئة كبرى وخدمة مجانية للعدو”.

هذا القرار، الذي يبدو على السطح وكأنه شأن سيادي، يُعد في جوهره جزءًا من “طبخة” أمريكية صهيونية أوسع نطاقًا، حيث تلعب فيه قوى محلية دور “الوعاء” الذي تُقدم فيه الوصفة النهائية. فقد فضح سماحة الشيخ نعيم قاسم في كلمته، أن المذكرة التي حملها براك لم تكن سوى محاولة لتجريد المقاومة من أدواتها الدفاعية، حتى البسيطة منها كـ”القنابل اليدوية” وقذائف الهاون. هذا الطرح الكارثي يهدف إضعاف لبنان وتجريده من قوته أمام العدوان.

إن دور بعض القوى السياسية اللبنانية في هذا السياق، يتلخص في التسويق لهذه الوصفة، وتقديم التنازلات تحت ذريعة حماية البلاد من تكرار “سيناريو غزة”. لكن هذا المنطق، بحسب المحللين، يمثل “افتراقًا في ترتيب الأولويات”، ويخدم المشروع الصهيوني بشكل مباشر.

 

“البند السابع”.. سلاح أمريكا الأخير في وجه المقاومة

في حال عجزت الحكومة اللبنانية عن تنفيذ هذا القرار، وهو أمر مؤكد في ظل الرفض الشعبي والسياسي للمقاومة، يبرز سيناريو آخر أكثر خطورة. فقد يجد العدو الأمريكي الصهيوني في هذا العجز ذريعة لتفعيل البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

هذا البند، الذي يمنح مجلس الأمن الحق في اتخاذ إجراءات عسكرية أو غير عسكرية لـ”حفظ السلم والأمن الدوليين”، قد يُستخدم كغطاء شرعي لفرض عقوبات مشددة على لبنان، أو حتى لتشكيل قوة دولية تحت ستار “نزع سلاح المقاومة”. إن هذا السيناريو، وإن كان احتماله ضعيفًا في ظل وجود قوى معارضة في مجلس الأمن، يظل ورقة ضغط قوية في يد واشنطن، تستخدمها لتهديد لبنان وتأليب الرأي العام الدولي عليه.

وفي هذا الإطار، يُمكن الاستشهاد بتصريحات سماحة الشيخ قاسم، التي أشار فيها إلى أن العدو “لا يذهب مباشرة إلى عدوان واسع” على لبنان، لأنه يدرك أن الرد سيكون مكلفًا. ولذلك، فإن الضغط السياسي والاقتصادي، وتهديدات مثل “البند السابع”، هي أدوات العدو المفضلة لتحقيق ما فشل في تحقيقه عسكريًا.

قد يعجبك ايضا