ثورة 21 سبتمبر وموقفها الوطني من المؤامرات الدولية على القضية الجنوبية
منذ اللحظة الأولى لانتصار ثورة 21 من سبتمبر 2014، كان واضحًا أنها لم تكن ثورة مطلبية ضيقة، بل مشروع وطني شامل، هدفه إنقاذ اليمن من براثن التبعية والفساد والهيمنة الأجنبية، وكانت القضية الجنوبية، بما تمثله من مظلومية تاريخية وواقع سياسي مركب، حاضرة بقوة في خطاب الثورة، وعلى رأس أولويات قيادتها.
- يمني برس / تقرير / طارق الحمامي
السيد القائد .. دعوة للعودة ومعالجة منصفة للقضية الجنوبية
في خطاب تاريخي عقب انتصار الثورة، وجّه السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي حفظه الله، رسالة واضحة وعميقة إلى أبناء الجنوب، دعاهم فيها إلى العودة إلى صنعاء معززين مكرمين شامخين، للمشاركة في حل عادل ومنصف للقضية الجنوبية، قائم على مبدأ العدل والمصلحة الوطنية والسيادة، وبعيد عن أي تدخلات خارجية.
وأكد السيد القائد على أن هناك من لا يريد استقرار اليمن لا في شماله ولا في جنوبه، مشيرًا إلى وجود مخططات إقليمية ودولية مشبوهة تسعى لتفتيت الوطن، وتنفيذ أجندات استعمارية قديمة بأدوات جديدة،
((الظروف اليوم مهيأة لمعالجة القضية الجنوبية، معالجة عادلة، على أساس مصلحة الجنوبيين، ولكن على الجميع أن يدركوا أن الخارج لا يتعامل مع القضية اليمنية بصدق، ولا ينبغي لأبناء الجنوب أن يثقوا به))
المخطط السعودي الإماراتي .. استعمار مقنع ومصالح مشتركة مع العدو الصهيوني
لم تكن تصريحات السيد القائد من فراغ، بل جاءت من قراءة دقيقة للمشهد، وتحليل واعٍ للتحركات السعودية والإماراتية في الجنوب، والتي لم تراعِ مصالح اليمن ولا تطلعات الجنوبيين، بل كشفت عن مخططات استعمارية ممنهجة، فالسعودية تسعى إلى مدّ نفوذها العسكري والاقتصادي إلى السواحل اليمنية، وخاصة في المهرة وحضرموت وشبوة، في محاولة للسيطرة على المعابر البحرية الاستراتيجية المؤدية إلى بحر العرب وخليج عدن، والإمارات، من جانبها، كثّفت وجودها في عدن وسقطرى وميون، وعملت على تجنيد مليشيات مناطقية منفصلة عن القرار الوطني، بهدف تنفيذ مشاريع مشبوهة في خدمة أطماعها الاستعمارية، وخدمة للمشروع الصهيوني في المنطقة .
وكلا البلدين، ينسقان مع العدو الإسرائيلي في سياق مشروع مشترك للسيطرة على الممرات المائية الحيوية في البحر الأحمر، وتحقيق نفوذ استراتيجي مشترك يهدد الأمن القومي اليمني والعربي.
القضية الجنوبية في صلب المشروع الوطني لثورة 21 سبتمبر
في سياق حرصها على ترسيخ وحدة اليمن أرضًا وإنسانًا، أولت قيادة ثورة 21 سبتمبر اهتمامًا كبيرًا بالقضية الجنوبية، ليس فقط في الخطاب والمواقف السياسية، بل أيضًا في الإجراءات العملية التي هدفت إلى إعادة دمج الكوادر الجنوبية ضمن المكونات الوطنية السياسية، بما يضمن تمثيلًا حقيقيًا يعكس تطلعات الجنوب ويحفظ له مكانته ودوره.
ومن أبرز الخطوات الرمزية والعملية التي جسّدت هذا التوجّه، كان إسناد منصب رئيس الوزراء إلى شخصية جنوبية وطنية، في رسالة واضحة مفادها أن الجنوب شريك أساسي في إدارة الدولة، وصاحب قرار في حاضر اليمن ومستقبله.
هذه الخطوة التي جاءت في ظل قيادة الثورة، جسدت مبادئ العدالة والمواطنة المتساوية، وكانت بمثابة ردّ عملي على كل المشاريع التي تسعى لتمزيق اليمن أو تحويل الجنوب إلى ورقة بيد الخارج.
لقد مثلت هذه المبادرة رسالة سياسية ووطنية قوية، مفادها أن الجنوب ليس ساحة للوصاية أو التجزئة، بل مكون أصيل في الدولة اليمنية الحديثة التي تسعى ثورة 21 سبتمبر إلى بنائها.
وبذلك، فإن ما قامت به قيادة الثورة تجاه القيادات الجنوبية لم يكن ترفًا سياسيًا، بل واجبًا وطنيًا يمليه الإيمان بأن قضية الجنوب لا تُحل بالتجزئة أو التبعية، بل بالشراكة الحقيقية والعدالة، وهذا ما تسير عليه ثورة 21 سبتمبر منذ انطلاقها.
انحراف بعض المكونات الجنوبية وارتماؤها في حضن الخارج .. من شعار القضية إلى خيانة الوطن وفلسطين
رغم تأكيد قيادة ثورة 21 سبتمبر على استعدادها الكامل لمعالجة القضية الجنوبية معالجة عادلة ومنصفة، تحت سقف الوحدة اليمنية وحفظ السيادة الوطنية، إلا أن بعض المكونات السياسية الجنوبية اختارت الارتهان للخارج والتنصل من مسار الحل الوطني، في توجه خطير كشف حجم التأثير السعودي والإماراتي في توجيه قراراتها بما يخدم مصالح غير يمنية.
فقد وجدت هذه المكونات في الدعم الخليجي فرصة لتعزيز حضورها السياسي، لكنها تنازلت بالمقابل عن قرارها السيادي، وأصبحت أداة بيد الرياض وأبوظبي، اللتان لم تتعاملا مع الجنوب كقضية، بل كمسرح لتصفية الحسابات وفرض النفوذ والسيطرة على الممرات البحرية والجزر الاستراتيجية.
وقد أدى هذا الانحراف إلى تفجير الصراعات الداخلية في الجنوب، بين فصائل موالية لهذا الطرف أو ذاك، وإضعاف وحدة الصف الجنوبي وتهميش الأصوات الوطنية التي تطالب بحل عادل ومستقل للقضية، وتوريط أدوات محلية جنوبية في تحالفات خيانية مع العدو الصهيوني، في إطار التنسيق الإماراتي الإسرائيلي للسيطرة على سقطرى والبحر الأحمر.
الأخطر من ذلك، أن هذا الانحراف جاء في توقيت حساس كانت فيه القضية الفلسطينية، وتحديدًا مأساة غزة، في أمسّ الحاجة للدعم العربي والإسلامي، لكن الأدوات المدفوعة من الخارج سعت لإشغال القوات المسلحة اليمنية وقيادة الثورة بمعارك داخلية مفتعلة، بغرض صرفها عن موقفها المبدئي في دعم غزة ومواجهة العدو الإسرائيلي، خدمة للمشروع الصهيوني .
هذا الانزلاق الخطير للمكونات الجنوبية الموالية للسعودية والإمارات لم يخدم الجنوب، ولم يقرّب الحل، بل زاد من تعقيد المشهد وأضاع البوصلة الوطنية، وجعل بعض تلك المكونات شريكة في العدوان على اليمن، وخائنة لمبادئ الأمة وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
ثورة 21 سبتمبر .. مشروع استقلال لا وصاية
أمام هذا الواقع، تبرز ثورة 21 سبتمبر كصوت وطني مقاوم للمخططات الأجنبية، وموقفها من القضية الجنوبية ليس شعاراتيًا، بل مبني على إرادة حقيقية للحل الوطني المستقل، فالثورة ترفض أي وصاية خارجية أو تقسيم مفروض على اليمن، وتؤكد على حق الجنوبيين في تقرير مصيرهم ضمن إطار وطني سيادي مستقل، وتدعو إلى شراكة حقيقية تضمن تمثيلاً عادلاً للجميع دون تهميش أو استعلاء.
خاتمة
إن القضية الجنوبية كانت وستظل حاضرة في أولويات المشروع الوطني لثورة 21 سبتمبر، باعتبارها قضية وطنية عادلة لا يمكن أن تُحل إلا تحت سقف السيادة والاستقلال، بعيدًا عن الإملاءات الخارجية.
وقد أكد السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي، يحفظه الله، أن أبناء الجنوب شركاء حقيقيون في بناء الدولة، وليسوا تابعين أو أدوات لأي طرف خارجي.
بينما تسعى قوى الاحتلال إلى تمزيق اليمن ونهب ثرواته، فإن ثورة 21 سبتمبر تقف بصلابة في وجه كل المؤامرات، وتفتح أبواب الشراكة والحوار، على قاعدة الكرامة والسيادة والوحدة.