قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي يكشف تفاصيل هامة جدا لأول مرة في حوار صحفي له أجرته مجلة مقاربات سياسية “نص الحوار”
يمني برس- متابعات
أكّد السيّدُ عَبدُالملك بدر الدين الحوثي، قائد الثورة الشعبية، أن الواقعَ الذي كان يعيشُه اليمنُ قبل العدوان عليه في 26 مارس 2015 لم يكن يشكّل أيَّ تهديدٍ لمحيطه العربي والإسلامي ولا على المستوى الدولي.
السيّدُ عَبدالملك الحوثي وفي أول حوار صحفي له منذ بدء العدوان خَصَّه لمجلة مقاربات سياسية التي يرأسُ تحريرَها الأستاذُ عَبدالملك العجري تطرَّقَ إلى عددٍ من الأحداث السياسية قبلَ وبعدَ العدوان.. ولأهميّة الحوار تُعيدُ صحيفةُ “صدى المسيرة” نشرَه.
حاوره/ عَبدالملك العجري
– كيف تفسّـرون هذا الزخمَ والاحتشادَ للعدوان على دولة تصنَّفُ بأنها من أكثر دول العالم فقراً، وكأن اليمنَ ارتكبت جُرماً لم يسبقها إليه أحدٌ من العالمين؟ وبرأيكم ما هي الأهدافُ الحقيقية لهذه الحرب العدوانية؟.
بدايةً نباركُ لكم انطلاقَ مشوار هذه المجلة، ونسأل اللهَ لكم التوفيقَ؛ لتكون منبراً للحرية ومرآةً تتجلّى فيها الحقائق، ومَصْدَراً مشعّاً بالنور لمَن يتطلع إلى إعلامٍ يلتزمُ الصدق والموضوعية.
أمّا فيما يتعلّق بالعدوان على بلدنا، فلا شك أنه يمثّلُ الحدثَ الأبرزَ لربما في العالم في هذه المرحلة، وقد برَزَ في هذا العدوان عدةَ اعتبارات:
الأول: مستوى الدور الأَمريكي الرئيس في العدوان من حيث المشاركة الفعلية في جوانب متعددة، ومنها الإدارة والاستطلاع والدعم اللوجستي والقصف الجوي والقصف البحري، وتقديم مختلف أنواع السلاح ووسائل التدمير الشامل والدور الرئيسي في التخطيط، ومنها توفير الدعم والغطاء السياسي بشكل كامل للعدوان، ومنها الحمايةُ من الضغط الحقوقي من جانب المنظمات والأمم المتحدة، ومنها الدفع للقوى التي تدور في الفلك الأَمريكي لدعم العدوان مشاركةً أَوْ تأييداً.
الثاني: الترحيبُ الإسرائيلي المعلَن بالعدوان والتأييد المكشوف له والمشاركة الفعلية -أيضاً- فيه بأشكال متعددة، وصاحب ذلك التطور الملحوظ في الروابط التي برزت إلى العلن بين إسرائيل وآل سعود.
الثالث: ما رافق هذا العدوان من عناوينَ وتبريراتٍ، وما تلـبّس به من ممارسات وحشية وإجرامية في القتل الجماعي والتدمير الشامل والحصار الظالم، ومجموع هذه الاعتبارات تكشف طبيعة العدوان وحقيقة خلفياته.
فمن المعلوم قطعاً أن الواقع الذي يعيشُه البلد ما قبل العدوان لم يكن بحدّ ذاته يشكل أيّ تهديد لمحيطه العربي والإسلامي ولا على المستوى الدولي، فالجميع في البلد كانوا منشغلين جداً بحلّ المشاكل الداخلية الكبيرة وفي مقدمتها المسألة السياسية، وكان الفرقاء السياسيون جميعهم منهمكين في (حوار موفمبيك)، وعلى وشك الوصول إلى حَلٍّ يضمن الشراكة للجميع، ويساعد على حل المشاكل الأمنية والاقتصادية التي مفتاح حلها هو بحل المشكل السياسي، وكان حجم المشاكل والأزمات الداخلية على نحوٍ لا يسمح أصلاً للبلد للتفكير بفتح مشاكل مع أي طرف خارجي، بل على العكس من ذلك حرصت القوى الثورية والمتحررة على التأكيد بكل الوسائل على حسن نواياها تجاه محيطها العربي والإسلامي، وأن سعيها لتصحيح الأوضاع والمطالبة بالحقوق في البلد لا يعني التهديدَ للخارج، والحقيقة القاطعة التي تشهد لها الوقائعُ والأحداثُ والإثباتات أن القوى المعتدية رأت في التحرك الشعبي الساعي للضغط على القوى السياسية لإصلاح الوضع المتردّي على كُلّ المستويات، وإعادة الاعتبار للشعب، وتلبية طموحاته في الحرية والاستقلال رأت فيه تمرداً على إرادتها وإفشالاً لمشاريعها وكسراً لقيودها، فهي كانت قد رسمت سياسةً معيّنةً فرضت من خلالها على شعبنا وضعاً مأساوياً يتّجه به تلقائياً نحو الانهيار والتفكّك إلى دويلات بائسة ومتناحرة وغارقة في مشاكل لا أول لها ولا آخر، فبالرغم من أن القوى السياسية الحاكمة آنذاك أسلمت لأولئك أمر البلاد، وأخضعت كُلّ توجّهاتها في السلطة حسبَ إملاءاتهم إلا أنّهم لم يقدّروا لها ذلك، فدفعوا بها إلى تبنّي سياساتٍ خاطئة لتقسيم البلد وتفكيكه، وسياسات على المستوى الاقتصادي تصنع أزمة رهيبة، وعلى المستوى الأمني بما يدعم تمكين القاعدة وأخواتها، ويفقد الشعب اليمني أمنه واستقراره، وأصبح الكثيرُ من مختلف فئات الشعب من الأكاديميين والمنتسبين للأجهزة الأمنية وصولاً إلى التجمُّعات في الأسواق والمساجد وغير ذلك، أهدافاً للاغتيالات والتفجيرات في وضعٍ كان يفترَضُ لسلطة تستند إلى دعم دولي وإقليمي ولها ارتباط بأولئك في الخارج لدرجة الانضواء تحت إمرتهم والذوبان في سياساتهم وتوجّهاتهم أن تحقق لشعبها الرفاه الاقتصادي والاستقرار الأمني والسياسي، ولكن في الوقت نفسه حدث العكس، وشهد عليها حتى رعاتها الخارجيون بالفشل والفساد والاتجاه إلى الهاوية، بينما هي في حقيقة الحال تنفذ سياساتهم وتتحرك وفق مخططاتهم.
تلك المخاطرُ والتحديّاتُ والأزمات دفعت الشعب إلى التحرك من خلال التصعيد الثوري للضغط على أولئك بتصحيح المسار على كُلّ المستويات، وكانت ثمرة ذلك الضغط (اتفاق السلم والشراكة) الذي ضمن لكل القوى السياسية الفاعلة المشاركة مع مراعاة مطالب الشعب، وتصحيح الاختلالات في العملية السياسية والوضع الاقتصادي والأمني، وهذا بالتحديد ما لم يرغب الخارج بتحقيقه، حتّى وإن كان قد رحَّبَ بالاتفاق وأقرّ به وبشرعيته، لكن لم يرغب ولم يسمح بتنفيذه؛ لأن الذي يريده الخارج المتمثّل بقوى العدوان هو الواقع المأزوم والمتردّي، شرط أن يبقى تحت سيطرتهم، وبتعبير آخر مشروع “الفوضى الخلّاقة”، وقد نتج عن تمرّد المرتزقة وانقلابهم على (اتفاق السلم والشراكة)، وتعنّتهم عن الوفاء بما وقّعوا عليه مشاكل إضافية، بعدها اتجه الجميع إلى (موفمبيك) للحوار من جديد حتّى أوشكوا على التفاهُم بصيغة تستوعب ما تضمّنهُ (الإعلان الدستوري) الذي كان بهدفِ الضغط لسدّ الفراغ الناتج عن استقالة (عبدربه)، واستقالة الحكومة آنذاك، وحينما أدركت قوى العدوان ذلك أوعزت إلى البعض بالتريث عن التوقيع؛ لأنها كانت قد أعدّت عدّتها للبدء في العدوان وهذا ما حدث.
– في القمة السادسة والعشرين التي عقدتها الجامعة العربية بتأريخ 28 مارس 2015م لبحث تحدِّيّات الأمن القومي العربي، بينما في الوقع الهدف الأساس للقمة إعلان مباركة العاصفة.
حين يجتمعُ الزعماءُ العرب، ويُرَحِّلون كُلَّ المهددات الحقيقية للأمن القومي التي أشار إليها البيان الختامي نفسُه، مثل النزاعات العرقية والطائفية التي تهدد الدولة القُطرية بالتفكك، الإرهاب، أسلحة الدمار الشامل، والمهددات الأُخْــرى، مثل الوجود العسكري الأجنبي، احتلال العراق، إسرائيل. يُرَحِّلون كُلّ هذه المهددات، ويحددون ما أسموه الانقلاب الحوثي أَوْ التهديد الحوثي، كتهديدٍ يستدعي التحرك العاجل، ويلمح البيان الوزاري إلى عاصفة الحزم في سياق حماية الأمن القومي العربي من التهديدات الإيرانية، الأمر الذي يثير في الذهن أكثر من سؤال، ما هو الشيء الذي يقلقهم منكم، ويجعلهم يصنّفون بعض تحركاتكم بين مهددات الأمن القومي العربي؟!.
– الأمرُ الآخر العلاقة المثيرة للجدل بين أنصار الله وإيران، تشير كثيرٌ من التقارير والتصريحات الخليجية وبعض الغربية أن ما حدث في 21 سبتمبر 2014م كان بإيعاز من إيران، نريد: ما هي طبيعة علاقتكم بإيران؟ وهل لإيران علاقة بما حدث في 21 سبتمبر؟.
ما يقلقُهم منّا ومن كُلّ الأحرار في شعوب المنطقة هو النهجُ التحرّري الرافض لاستبداد الداخل وهيمنة الخارج والثائر بوجه الاستعباد للشعوب والتدمير للمنطقة، أمّا العلاقة بإيران، فلم يكن لأولئك الحق أن يفرضوا علينا معاداة إيران، فإيران بلد مسلم، ومواقفه تجاه قضايا الأمة إيجابية، ولم يسبق له أن تحرك عدائياً ضد شعبنا، وإنّما تبنّى البعض الطرح الإسرائيلي في اعتبار إسرائيل صديقاً أَوْ حليفاً، وإيران المسلم عدوّاً وبغيضاً، وهذا طرح لا يلزمنا القبول به، ومع نظرتنا الإيجابية تجاه إيران.
ورأْينا في أن العالم الإسلامي بكله معنيٌّ بحكم المبادئ والقيم والأخلاق والمصالح بالتعاون والتفاهم في وجه التحديّات والأخطار التي لا تستثني حتى تلك البلدان التي قرّر حكّامها الانخراط في المشروع الأَمريكي والإسرائيلي، اتخذ أولئك الشعار الأَمريكي الذي رفعه بوش “مَن لم يكن معنا فهو ضدنا”، وجعلوا منه مبرِّراً لاستهداف كُلّ صوت حُرّ في المنطقة يطالب بالحقوق المشروعة، ويقف بوجه المؤامرات المدمّرة ضد شعوبها ويُعادِي إسرائيل، وجعلوا من الموقف المناهض للسياسة الأَمريكية المعادية لشعوب المنطقة والعداء لإسرائيل مسألةً إيرانية، فأيُّ طرف يتبنّاها يقولون عنه إيراني؛ بهدف الضغط على الآخرين، كي لا يجرؤ أحدٌ على العداء لإسرائيل، وجعلوا من العلاقة معها والاشتراك في مؤامراتها ضد شعوب المنطقة معياراً لإثباتِ أنك عربي، فقدّموا مفهوماً جديداً غريباً للعروبة والإسلام يتلخّص في الولاء لأَمريكا والتحالف مع إسرائيل، وما أعجب وأغرب وأسوأ هذا المفهوم المغلوط الباطل!
لقد أكّدنا مراراً وتكراراً أننا لسنا امتداداً لأيَّة أجندة لصالح أيّ طرف ضد طرف آخر في محيطنا العربي والإسلامي، وأن تحرّكنا ينطلق من مبادئ واضحة أصيلة، وأن مطالب شعبنا مطالب واقعية ومظلوميته ومعاناته واضحة، وليست المسألة مسألة أجندة لصالح الخارج، لا إيران ولا غيرها.
– يتهمكم خصومُكم بأن تحرّكاتكم منذ -21 سبتمبر- لم تكن تضعُ في تقديرها أي اعتبار للمخاوف الإقليمية والدولية خاصة دول الجوار.. هل كنتم تتوقّعون ولو بنسبة ضئيلة ردّ الفعل المجنون من قبل السعودية وتحالف العدوان؟ وهل لو عادت العجلة إلى الوراء أَوْ توقعتم ردة الفعل المجنونة هذه؟ هل كنتم أقدمتم على اتخاذ نفس الخطوات والإجراءات والتصعيد الثوري؟ وهل تعتقدون أن العدوان أضرّ بتجربة أنصار الله أَوْ أنه صقلها أَوْ الأمرين معاً؟.
لقد حرصنا أن يواكبَ التحرّكُ الشعبي والتصعيد الثوري تأكيداً لدول الجوار ولكل محيطنا من العرب والمسلمين، أنّ تحرّكَ الشعب اليمني هو في حدود مطالبته بحقوقه المشروعة واستعادة قراره وفرض حريته، وليس بهدف استهداف دول الجوار، ولا يشكّل أيَّ تهديد للأمن والسلم الإقليمي والدولي، وكان التأكيد في الكلمات المتلفزة، وفي الحوارات مع البعثات الدبلوماسية وعبر رسائل من خلال من ينقلها إلى أولئك.
وَلكن هذا بالتأكيد لم يحل المشكلة مع أولئك، فمشكلتهم مع الشعب اليمني ليس؛ لأن الشعب اليمني شعبٌ عدوانيٌّ سيتّجه ومن دون سابق إنذار ولا مبرّر للانقضاض على دول الجوار وغيرها، ويثير الشغب والفوضى في المنطقة.. لا، فهم يعرفون الشعب اليمني أنه شعبٌ له مبادئُ وقيم وأخلاق، وأنه شعب الحكمة وشعب ودّي ويرعى حق الجوار، كما أن الظروفَ والأوضاعَ والأزمات التي يعاني منها الشعب اليمني نتيجة لسياسات أولئك ومرتزقتهم، لا تسمح للشعب بالتفكير في التحرك المعادي للخارج والغزو لبلدان المنطقة والتفرغ لاستهدافها، فلهُ في واقعه الداخلي ما يجعله منشغلاً في الواقع العملي لتصحيح الوضع ومعالجة تلك التراكمات من المشاكل والأزمات التي صنعها أولئك، هذا هو الحال الذي كان عليه البلد قبل بدء العدوان، وأي سياسي أَوْ مراقب للأوضاع في البلد آنذاك يعرف ذلك، ولكن مشكلة أولئك مع الشعب، سعيه للتحرّر ومطالبته بحقوقه، وإفشاله لمؤامرات التمزيق والتفكيك وطرده للقاعدة آنذاك من ثمان محافظات، وسعيه لتصحيح مسار العملية السياسية وموقفه المبدئي والحر تجاه القضايا الكبرى للأمّة، وقد أعلنت إسرائيل آنذاك قلقَها على لسان نتنياهو، ومسؤولين كبار في الكيان الإسرائيلي، وتناول الإعلام الإسرائيلي تحرّك الشعب اليمني بقلقٍ واضحٍ ومعلَن، وقد كان العدوان مفاجئاً لبلدان وشعوب المنطقة، لهذا الاعتبار، يعني لم يكن اليمن في وضعية عداء، ونزاع في محيطه حتى يأتي العدوان في سياق عدائي ومتوقّع لدى الشعب ولدى سائر البلدان والمراقبين، وشعبنا اليمني لو توقّع هذا العدوان وبهذا المستوى من الوحشية والإجرام والتدمير والاستهداف لاستعد بشكل أفضل وأقوى للدفاع عن نفسه وأرضه وحريّته، ولو كان يدرك أن الآخرين يعدّون العُدَّة للغدر به والاعتداء عليه، لمكّنه ذلك من اتخاذ تدابير فعّالة بشكل أفضل في الداخل والخارج، ولكن لم يكن ليكفَّ عن المطالبة بحقوقه والسعي لمواجهة المؤامرات الرامية إلى الوصول به إلى حافة الانهيار تلقائياً وتحت السيطرة؛ لأن أولئك يريدون للبلد الفوضى الخلاقة التي يتحكّمون بها وبقواعد اللعبة فيها.
كما يريدون -أيضـاً- تفكيكه، وتمزيقه بكل راحة بال ومن دون معوّقات ولا اعتراض، وقد استفاد الشعبُ من الأحداث بكلّها، تجربةً ووعياً وإدراكـاً لطبيعة الآخرين، وأمّا المعاناة، فلا شك أن العدوانَ بهمجيته ووحشيته أضرّ بالشعب وعانى منه بشكل كبير، ولكن مهما كان حجم المعاناة، فشعبنا لم يكن له من خيار إلا التصدي للعدوان والتوكّل على الله، ومن المعلوم أن كُلَّ الشعوب والبلدان الحرة قدّمت التضحيات وعانت الكثيرَ، وفي النهاية انتصرت، والعاقبة للمتقين.
– بعدَ مرورِ أكثر من عام ونصف من (الإعلان الدستوري)، يقول البعض إن الإدارة الثورية تتسم بطابع لا إداري فوضوي سواءً في أدائها العام، أَوْ فيما يتعلق بالتعيينات التي تصدرها (اللجنة الثورية)، أَوْ أداء (اللجان الثورية) في مؤسّسات الدولة، وأحاديث عن تورط قيادات محسوبة على أنصار الله في قضايا فساد ونحوها، هل أنتم راضون عن أداء (اللجنة الثورية العليا) وطريقتها في إدارة الدولة؟
الإعلانُ الدستوري عملياً لم تنجز مضامينه في تشكيل المجلس الوطني ومجلس الرئاسة والحكومة؛ لأن القوى السياسية دخلت في متاهات وتعقيدات، منها مَن ارتمى في حُضن المعتدين مراهناً على أنّه سيكسب كُلّ شيء، ومنها من له تحفّظاتُه ومخاوفه، وأمّا القوى الثورية، فقد سعت، ولا تزال، إلى إقناع القوى السياسية سيما حالياً المناهضة للعدوان إلى الشراكة وإنجاز تشكيل الحكومة وسدّ الفراغ في مؤسّسات الدولة بذلك.
والدورُ الحالي الذي تقومُ به (اللجنة الثورية) هو الحفاظُ على مؤسّسات الدولة من الانهيار، والسعي لتفعيل ما أمكن منها في ظل معوقات كبيرة ومشاكل كثيرة، وفي مقدمتها العدوان والحصار وحساسية القوى السياسية التي لها حضور كبير في المؤسسات، وهي فعلياً -وبنسبة كبيرة – من تمسك بها، فأغلبُ الموظفين منها، والقوى الثورية حضورها محدود جداً، لا من جانب الموظفين، ولا من جانب التدخل في التفاصيل.
ونستطيعُ القولُ إن (اللجنة الثورية) نجحت حتى الآن بالتأكيد في الحفاظ على المؤسسات من الانهيار والتلاشي، وفعّلت البعض منها بشكل ناقص ومحدود لوجود المعوقات الكثيرة.
ولاشك – أيضاً- أن اللجنة تعاني من الوضع الذي يقيّدها من كثير من الأمور، فقد فرضت ظروف العدوان إعطاء أولوية للتصدي له، وإعطاء أولوية للحفاظ على وحدة المكونات السياسية في الموقف المهم، ولو تحركت اللجنة من دون وفاق مع المكونات، قد تحدث بعض الحسّاسية، والانزعاج قائم لدى البعض، ويظهر بين الحين والآخر لأيّ إجراء مهما كان بسيطاً، ويمكن للقوى السياسية السعي لمعالجة الأمر سيما المناهضة منها للعدوان، وإذا وصلت لدرجة الاحباط والتعقد الشديد فيمكن معالجة الأمر شعبياً بما يفيد البلد كله، وليس لصالح مكون على مكوّن آخر.
أمّا الكلامُ عن الفساد، فأكثرُ من يروّج لذلك هم الفاسدون الحقيقيون، ووضعُ البلد معروف، ليس فيه مغانم لأيٍّ من المهتمين بالدفاع عن البلد، وإذا كان من شيء، فهو إذا ثبت في الإطار الفردي الذي يجب محاسبته مع بقية الفاسدين سواءً بسواء.
– اسمح لي أن أسألَك سؤالاً مباشراً لماذا ذهبتم إلى الجنوب؟ ألا تعتقدون أن هذا أضَرَّ بعلاقاتكم مع القوى الجنوبية، ووسع من دائرة خصومكم المحليين؟ وكيف تنظرون لمستقبل العلاقة مع القوى الجنوبية ومستقبل الوحدة بعد ما حدث؟
لقد كان تحرَّكَ الجيشُ واللجان الشعبية إلى بعض المحافظات الجنوبية لمواجَهة التحرك العدائي للقاعدة ومليشيات المستقيل هادي، بعد أن بدأت بعمليتها العدوانية في قتل وسحل وذبح منتسبي الجيش والأمن، وبعض المواطنين في عدن ولحج، واقتحام المعسكرات، وبداية التحرك العسكري الذي يستهدف الشعب في اتجاه محاورَ متعددة صوب تعز ومناطق أُخْــرى، وقد أعلن الطرف الآخر موقفة المعادي للشعب واتجه عملياً بإرسال خلايا للقتل والتفجيرات في مساجد العاصمة صنعاء..
وكان الجيش واللجان بين خيارين اثنين، إمّا الانتظارُ للمرتزقة والقاعدة لاستكمال جرائمها في الجنوب ومواصلة التقدّم في بقية البلد بدعم خارجي، فقد كان الخارجُ بلا شك سيعتبر ما حدث فرصة وهو شجّع على ذلك ودعمه من لحظاته الأولى، فقد وصلت طائرةٌ سعودية محمّلةٌ بالنقود إلى عدن لهذا الغرض، وكان النشاط والتحفيز الأجنبي واضحاً بأساليبَ كثيرة، منها نقل السفارات إلى عدن والسعي لاعتراض السفن المحمّلة بالنفط والبضائع لمنعها من الوصول إلى الحديدة وغير ذلك. والخيارُ الثاني التحرك بهدف التصدي لذلك والقيام بالواجب، وقد حقّقت حملةُ الجيش واللجان في البداية نجاحاً كبيراً أدهش الخارج وأصابه باليأس والإحباط، فقرّر سرعة التدخل المباشر، فالخارجُ كان مُصِرّاً على ضرب الشعب اليمني واستهدافه، إما بمرتزِقته والقاعدة إن استطاعوا، وإلا فبالتدخل المباشر إلى جانبهم، وهذا ما حدث، فحينما فشلوا، تدخّل إلى جانبهم وعمد إلى استغلال المشكلة الجنوبية، وقدّم لبعض الحراك الوعود الخيالية، لتحقيق أحلامهم واستدراجهم للمشاركة إلى جانبه، واستفاد منهم، ثم لم يفِ لهم بما وعد، ولم يحقق لهم ما أمّلوا، والجميع اليوم يعرف مأساوية وفوضوية الوضع هناك.
وأودّ هنا لفت النظر إلى أنّا أبلغنا الإخوة الجنوبين، وأقصد بعضَ قياداتهم، بل وأشَرْت إلى ذلك في بعض الكلمات في أنهم إذا منعوا القاعدة ومليشيات هادي من الاعتداءات والجرائم والتحرّك ضد بقية المناطق، فلن يذهب أحدٌ إلى هناك، وكذلك بعد نجاح حملة الجيش واللجان أبلغناهم أنهم إذا استعدّوا بحفظ الأمن في مناطقهم، والمنع من استغلالها من قبل قوى الإجرام، فسوف يعود الجيش واللجان، فلم نجد طرفاً هناك ينهض بهذا الدور، وسوف تكشف الأيام للإخوة في الجنوب الكثير من الحقائق، وكيف أن البعض هناك أُستُغِلّوا فقط استغلالاً ليس فيه أية خدمة للقضية الجنوبية.
ولا يزالُ الاستغلالُ قائماً، فالآلافُ اليوم موجودون منهم في مأرب، لتقديمهم قرابين ممن جنى عليهم في الماضي وأهدر دماءَهم بالفتاوى في عام 94، والمعوّل على القوى الحرة وحكماء الجنوب أن يتحركوا للحفاظ على أبناء الجنوب من هذا الاستغلال والامتهان، فهناك الكثير الكثير من أحرار الجنوب وحكمائه وهم يرصدون مسار الأحداث، وتتجلّى لهم الحقائق، وحال الجنوب لا يختلف عن حال الشمال، وفي كُلّ البلد هناك الشرفاء والأحرار وهناك القلة القليلة التي باعت نفسها وأرضها وشرفها بالمال وهناك الكثير من الجامدين المنتظرين لما تؤول إليه الأحداث.
– البعضُ ينتقد أنصار الله، وبقية القوى الوطنية أنهم لم يتحركوا بالشكل المطلوب لعقد مصالحات داخلية وخطوات تطمينية لقوى وشخصيات سياسية واجتماعية وعسكرية، بحيث تبعدُهم عن الارتماء في أحضان الرياض، ويتهمون الأجهزةَ الأمنية واللجان الشعبية بالمبالغة في الإجراءات الأمنية والاعتقالات التعسفية، وأن هذه الإجراءات أضعفت من الاصطفاف الشعبي لمواجهة العدوان ودفعت ببعض الشخصيات والأحزاب للارتماء في أحضان الرياض. فما تعقيبكم؟.
الانتقادُ في محلّه، ولا شك أن هناك تقصيراً في ذلك، ولكن هذا التقصيرَ لا يبرّر لأحد أن يخَوِّنَ شعبه وبلده ويتآمر مع الخارج، ويؤيد ما يرتكبه المعتدون من جرائم لا نظير لها في العالم.
فيما يتعلق بالمفاوضات، سلسلة من المحادثات بدءاً (بجنيف واحد) مروراً بلقاءات (مسقط) ثم (جنيف اثنين)، وُصولاً إلى المشاورات في الكويت، كانت كلها تنتهي بالفشل أَوْ دون تحقيق أيَّةِ نتائج.
– برأيكم: لماذا هذا التعثّر؟ ومن يتحمل المسؤولية؟ ما هي خياراتكم للمرحلة المقبلة، وأنتم قلتم في خطابكم “سنقاتل إلى يوم القيامة “؟ ما هي الموارد والإمكانات التي تراهنون عليها؟
العقدة التي أثرت على سير المفاوضات والحوارات أن الطرف الآخر أراد أن يحقق بها ما سعى لتحقيقه بالحرب، ولم يفهم أن مسار الحوار والسلام غير مسار الحرب، وإلا فالوفد الوطني قد قدّم من التنازلات ما يكفي لضمان الحل السلمي والتحفيز له، والمشكلة -أيضاً-أن المرتزقة يعتبرون أنفسهم خاسرين بالسلم، وأن استمرار الحرب يضمن تدفق المزيد من النقود إلى جيوبهم، ولو سالت المزيد من دماء الشعب اليمني، فهم لا يبالون إلا بمصالحهم الشخصية، والبعض منهم ليس فقط متاجراً، وإنما حاقداً ومنتقماً والكثير-أيضاً- منهم تكفيريون وحاقدون.
ولشعبنا اليمني الذي أنصف، وكان على الدوام جاهزاً للحل السلمي أن يتوكل على الله، ويواصل صموده وثباته مهما كان حجم التضحيات، فبالصبر والتضحية والاعتماد على الله انتصرت الشعوب الحرة على مدى التأريخ، كسنّةٍ من سُنن الله تعالى، والعاقبة للمتقين