المنبر الاعلامي الحر

تحرير فلسطين: طريق طويل من التضحيات والجبهات المتشابكة

تحرير فلسطين: طريق طويل من التضحيات والجبهات المتشابكة

يمني برس || محمد محسن الجوهري*

تحرير فلسطين ليس مجرد شعار يرفع في المظاهرات ولا أمنية تُتداول في الخطب الحماسية؛ بل هو مشروع تحرري طويل، يتطلب وعيًا، وصبرًا، وتضحيات جسيمة. فمن يتأمل واقع الصراع في منطقتنا، يدرك أن الطريق إلى القدس محفوف بالأشواك، وأن كلفة التحرير لا تُدفع بالكلمات، بل بالدماء والموارد والمواقف الصلبة.

لقد اعتاد كثيرون أن يحلموا بتحرير فلسطين بلا أثمان، وكأن العدو سيزول وحده، أو أن الاحتلال سيفكك نفسه طوعًا. وهذا ضربٌ من الوهم. فالصهاينة، على باطلهم، لم يبخلوا بالتضحيات؛ يقدمون القتلى ويخصصون ميزانيات ضخمة ويخضعون شعوبهم لتعبئة أيديولوجية مستمرة، كل ذلك من أجل مشروع استيطاني استعماري. فكيف لأصحاب الحق الذين يستندون إلى قضية عادلة وتاريخ ناصع وشرعية إنسانية وأخلاقية، أن يتوقعوا النصر بلا تضحيات؟

وفي هذا السياق، لا يمكن فصل ما يحدث في اليمن عن مشهد الصراع الأشمل. فالحرب الدائرة هناك منذ سنوات، بما فيها من حصار خانق ومجاعة مروعة وتدمير منهجي، ليست مجرد نزاع داخلي أو إقليمي معزول. بل هي جزء من لوحة أكبر، حيث تتداخل المشاريع والتحالفات، وتُفتح الجبهات في غير موضعها لإضعاف الأطراف المناهضة للمشروع الصهيوني ومَن يدعمه.

اليمن، اليوم، هو أحد الميادين التي تُدفع فيها أثمان المواجهة مع قوى الهيمنة العالمية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. والدم اليمني الذي يسيل، وإن كان البعض يحاول فصله عن فلسطين، إلا أن جذور الصراع واحدة: رفض الخضوع للمشاريع المفروضة من الخارج، والسعي لاستعادة القرار الحر والمستقل لشعوب المنطقة.

إن معاناة اليمنيين لا ينبغي أن تُهمّش أو تُستغل، بل يجب أن تُفهم في سياقها الصحيح؛ كجزء من ثمن يُدفع في معركة الأمة من أجل كرامتها، وفي قلبها تحرير فلسطين. فالقدس ليست فقط وجهة جغرافية، بل هي رمز لمعركة أوسع، تنعكس آثارها في صنعاء ودمشق وبغداد وبيروت، تمامًا كما في غزة والضفة.

ورغم وضوح الحاجة إلى التضحيات في أي مشروع تحرري، إلا أن الواقع العربي يقدم شواهد مؤلمة عن شعوبٍ قدمت الدماء، وتحملت الحصار والدمار، من دون أن تجني مقابل ذلك حرية أو كرامة. في سورية مثلًا، تحولت البلاد إلى ساحة صراع دولي منذ العام 2011، قُتل فيها مئات الآلاف، وشُرد الملايين، ودُمرت المدن، ومع ذلك لم تتحقق لا الديمقراطية ولا التحرير، بل زاد التدخل الخارجي، وانقسمت الأرض بين قوى متنازعة.

وفي العراق، قُدم ما لا يُحصى من التضحيات منذ الغزو الأمريكي عام 2003م وحتى اليوم، من مقاومة الاحتلال، إلى مواجهة الإرهاب، ثم الصراعات السياسية، لكن رغم كل الدماء، ما زال البلد يعاني من الفساد والتبعية للغرب وتآكل السيادة.

حتى في اليمن، قدم المرتزقة التضحيات الكبيرة من أجل أن ينتصر مشروع الوصاية الخارجية على البلاد، مئات الآلاف من القتلى والجرحى دون مشروع وفي سبيل قضايا وهمية المستفيد منها أعداء الأمة الإسلامية، ولو كانوا صادقين في نصرتهم للإسلام وقضية المسلمين الأولى، لكانوا اليوم في الخندق المناصر لغزة والمعادي للكيان الصهيوني، لكنهم ضلوا الطريق فتاهت بوصلتهم وتبددت مشاريعهم.

إن هذه الشواهد تؤكد أن التضحيات العشوائية أو غير المرتبطة برؤية استراتيجية قد تتحول إلى نزيف مستمر بلا طائل، بل وقد تُستغل لإعادة إنتاج الهيمنة، لا كسرها وفي النهاية، لا بد من الوعي بأن النصر لا يُهدى، بل يُنتزع. ولا يمكن لأي مشروع تحرري أن ينجح دون شعب مستعد للتضحية، ودون فهم شامل لتشابك الميادين وساحات المواجهة. فلسطين لن تتحرر بالصراخ، بل بالدماء، بالوحدة، وبإدراك أن معركة الأمة واحدة، وإن اختلفت مواقعها.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com