المنبر الاعلامي الحر

اليدومي مكفراً خصوم الجماعة..! بقلم/نائف حسان

يمني برس _ بقلم / نائف حسان :
224705_10150167444217852_2675220_n
مازال محمد اليدومي، رئيس الهيئة العليا لتجمع الإصلاح، متمسكاً باللغة الانفعالية المتشنجة والمنفلتة، التي لا تليق بقائد سياسي!
كتب، مساء أمس الأول، موقفاً مقتضباً عما يجري في مصر؛ بعد مواقف سابقة ظهر فيها متشنجاً أكثر مما ينبغي، وتصدر موقع من يهجو خصومه، وينال منهم، عبر توجيه أكبر الألفاظ غير اللائقة ضدهم.
في “البوست”، الذي كتبه أمس على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، خفف من تشنجه ذاك؛ غير أنه لجأ إلى الدين، واستخدمه لتكفير خصومه، خصوم جماعة الإخوان، في مصر والمنطقة العربية ككل!
يبدو أن الرجل استجمع كل قواه لتجنب التشنج، الذي أُخذ عليه جراء إفراطه في الغرق فيه سابقاً؛ بيد أن التوتر كان واضحاً فيما كتب؛ رغم تقشفه في استخدام كلمات الإساءة والتشنيع بخصومه وخصوم الجماعة. حسبكم أنه لم يرد في منشوره الجديد إلا كلمة “نفايات”، ومحاولته الحط من آدمية هؤلاء الخصوم على كثرتهم. وهذا مقبول بالنسبة لشخص يتدرب على التخلص من لغة الردح المنفلتة.
أظهر الرجل تقشفاً ملحوظاً في استخدام ألفاظ الشتم والتهديد والوعيد ضد خصوم جماعته؛ غير أنه اتجه، عوضاً عن ذلك، إلى تكفيرهم.
الطريف أن “اليدومي” قدم لنا هنا وجهاً آخر من شخصيته؛ فالسياسي، الذي أصبح رجل أمن دولة، عاد إلى موقعه كقائد سياسي، ثم تحول اليوم وأصبح “مكفراتي”. وكأنه يريد أن يُقدم لنا دليلاً حياً عن قدرت الأزمة الراهنة على الدفع بـ “الإسلاميين المعتدلين” نحو التطرف والإرهاب. وإذا كان سياسي كـ “اليدومي” يُكفّر ويُفسّق خصومه، فما الذي يُمكن أن يفعله بقية الدهماء؛ وما أكثرهم؟!
في هذا البوست، الذي نشره الموقع الرئيسي لتجمع الإصلاح كخبر أول، عاد “اليدومي” إلى القرآن، واستخدمه لاتهام خصومه بـ “الفسوق”، و”الصد عن سبيل الله”! مع أن ما حدث في مصر هو صراع سياسي أرضي، لا علاقة له بالسماء، أو بالله أو “الصد عن سبيله”.
اختتم ما كتب بالآية: “كيفَ وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلاًّ ولا ذمةً، يرضُونكُمْ بأفواههم وتأبى قُلوُبُهُم وأكثرهم فاسقون. اشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً فصدوا عن سبيله، إنهم ساءَ ما كانوا يعملون. لا يرقبون في مؤمنٍ إلاّ ولا ذِمَّةً، وأولئِكَ هم المعتدون”.
استخدم الرجل هذه الآية القرآنية مخرجاً إياها من سياقها الزمني، وأسباب نزولها. تتحدث هذه الآيه عن “صلح الحديبية”، والعدو الحاضر فيها هو “مشركو مكة”، الذين وصفتهم بـ “الفاسقين”، وأشياء أخرى بينها أنهم “بلا عهد”. بيد أن “اليدومي” استدعى هذه الآية واستخدمها في معركته، ومعركة جماعته، الجارية اليوم في مصر مع “السيسي” ووسائل الإعلام والسياسيين والمثقفين المصريين!
أبعد من ذلك؛ امتد استخدامه لهذا النص القرآني ضد خصوم الجماعة في المنطقة العربية ككل.
تقول الآية إن “المشركين” “اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً”، أي أنهم اعتاضوا عن اتباع آيات الله بما التهوا به من أمور الدنيا الخسيسة فصدوا عن سبيله. كذلك تقول إن “مشركي مكة” لم يُراعوا القرابة والذمة العهد (إِلاّ وَلاَ ذِمّةً). هذا الفهم للسياق الزمني لتنزيل القرآن يؤكد ضرورة مراعاته عند استخدام النص الديني، لاسيما عندما يكون استخدامه في صراع سياسي لا علاقة له بالسماء. صحيح أن النص الديني أصبح مواقف روحية وقيمية عامة؛ غير أن ذلك لا يُجيز استخدامه ضد الخصوم بهذه الطريقة التي تُضاعف أزمة المجتمعات الإسلامية، وتسيء للدين.
استخدم الخوارج هذا الاعتساف للنص القرآني، فأخرجوه عن سياقه الزمني والتاريخي، وأسباب تنزيله، فاستدلوا بثلاث آيات من سورة “المائدة”، تقول: “ومَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الكافرون”، ووردت الثانية بالنص ذاته، مع تغيير كلمة “الكافرون” إلى “الفاسقون”، وفي الثالثة “الظالمون”. وقد كانت هذه الآيات هي التي اعتمدها أبو الأعلى المودودي، وسيد قطب، في تأسيس مفهوم “الحاكمية”، الذي تأسست عليه جماعة التكفير والهجرة في مصر، ثم تطورت منتجة تنظيم القاعدة، بشكله وهويته القائمة اليوم.
نزلت هذه الثلاث الآيات في حق طائفتين يهوديتين (العزيزة والذليلة) لم يرتضيا بحكم الله والنبي محمد، في عمليات قتل متبادل نشب بين الطائفتين. نزلت الآيات الثلاث ضمن سياق تاريخي معروف؛ غير أن الخوارج فصلوها عن سياقها ذاك، واستخدموها ضد الإمام علي؛ بعد أن خرجوا عليه في “صفين”.
وجه الخوارج هذه الآيات الثلاث نحو الإمام علي متهمينه بـ “الكفر”، و”الفسوق”، و”الظلم”؛ كونه، طبقاً لزعمهم، قبِل بحكم البشر، ولم يقبل بما أنزل الله في القرآن؛ عندما وافق على التحكيم مع “معاوية”، وهو التحكيم الذي جرى فيه تنصيب أبي موسى الأشعري، وعمرو ابن العاص، حكمين من الجانبين. الحديث في هذا الأمر طويل وشائك؛ غير أني تذكرته أمس، عندما وجدت “اليدومي” قد اعتمد هذا الأسلوب، الخاص بالخوارج، في استخدام آيات القرآن بعد فصل سياقها الزمني والتاريخي وأسباب تنزيلها. وفي الحالتين؛ النتيجة واحدة: استخدام النص الديني في تكفير الخصوم.
يبدو أن جماعة الإخوان خسرت، في الماضي “مكفراتي”، ولم تكسب سياسياً.

في 30 يوليو الفائت، كتب “اليدومي” مقالاً هدد فيه بموجة عنف وإرهاب واسعة، قال إنها ستُغرق العالم الإسلامي ككل، إن تم إقصاء محمد مرسي، وجماعته، من حكم مصر عبر “الانقلاب العسكري”! يومها قال إن المنطقة أمام طريقين، وخيارين، لا ثالث لهما: اختيار الديمقراطية واحترام نتائجها، أو الإرهاب والتوابيت!
كان تهديده ذلك غريباً، افتقد لرصانة السياسي؛ رغم ما فيه من وجاهة. صحيح أن إقصاء الإسلاميين بقوة الجيش من حكم مصر دفع، ويدفع، بمتشددين إسلاميين، نحو العنف والإرهاب؛ بيد أن ذلك يؤخذ بشكل آخر عندما يصدر من قائد سياسي، وبلغة مشحونة بالتهديد والوعيد. هنا يتوارى السياسي، ويحضر كمحرض على العنف والإرهاب، وهذا أمر يستدعي عقوبة.
كان ذلك المقال بمثابة سقطة كبيرة، تنبه لها “اليدومي” فحاول الابتعاد عنها؛ إلا أنه وقع في جرم أكبر منها: تكفير الخصوم.
بعد كل ذلك التهديد، عاد اليوم الرجل إلى الله باعتباره “القادر وحده على إظهار حقيقة ما يحدث…”. هذا الركون إلى الله يأتي ضمن سياق يأس من “النصر” في الحرب الدائرة داخل مصر، وهي حرب صورها “اليدومي”، ورفاقه الإسلاميون، باعتبارها حربا بين “الإسلام” و”الكفر”!
في موقفه الجديد، يدعونا “اليدومي” إلى “التأمل” و”الاعتبار”. والأولى بذلك هو وجماعته؛ فلولا صلفها، وتجبرها في التعامل مع الناس، لما كان حدث ما حدث. الأولى بالجماعة مراجعة مواقفها وسياساتها، لتجاوز الأخطاء التي وقعت فيها وارتكبتها، أو تجنب عدم الوقوع فيها مجدداً. بيد أنه لا يظهر ما يوحي بذلك. والدليل أن “اليدومي” يطلب منا نحن، كمسلمين وعالم إسلامي، أن “نتأمل” و”نعتبر”!

هناك قدر من الصحة في ما قاله “اليدومي”؛ إلا أنه أضاع صدق موقفه، وعدالة ما يطرح، بسبب شيطنته لخصوم جماعة الإخوان، واتجاهه نحو “تكفيرهم” و”تفسيقهم”! مازال الرجل يتحرك ضمن اللغة ذاتها المتشنجة غير اللائقة؛ إلا أنه أضاف إليها منطقا مكارثيا قائما على التكفير.
صحيح، الإعلام المصري أثبت عدم مهنية فجة، ومفجعة، أظهرت حجم المأزق الأخلاقي للمنطقة العربية ككل. كان يُفترض أن تكون هناك مواقف مبدئية أخلاقية وقيمية من قضايا إنسانية رئيسية، كرفض العنف والقتل أياً كانت الجماعة المستهدفة به، وتأكيد حق العمل المدني السلمي، كالاعتصامات والمظاهرات، بغض النظر عن الجهة التي تقوم بها، وإسناد الديمقراطية كقيم وممارسة، والقبول بنتائجها مهما كانت؛ غير أن الإعلام المصري، والنخبة الثقافية والسياسية المصرية، أخذت تُبرر العنف والقتل الذي وقع ضد ناشطي جماعة الإخوان، بعد أن أسندت تدخل الجيش في الحياة السياسية دون أن تُبدي أي محاذير أو مخاوف! وهناك من ظهر في الفضائيات يتباكى على 42 رجل أمن مصريا قتلوا في المواجهات، دون أي اعتبار للمئات الذين قتلوا في الجانب الآخر! ولا يقول هذا المنطق العنصري البغيض إلا أن هناك فرقا بين دماء رجال الأمن ودماء أنصار جماعة الإخوان!
المؤسف أن أحزاباً وتكتلات، ثورية وغير ثورية، وشخصيات سياسية واجتماعية وثقافية، تورطت في التحريض على العنف والقتل. وبلغ حجم الانحدار القيمي أن لم يكن، في مصر كلها، إلا موقفين إنسانيين وقيميين فقط حيال ما يجري، اتخذهما عمرو حمزاوي، ومحمد البرادعي. والمعنى أن الأزمة ضربت في مقتل البوصلة القيمية للنخبة في بلد كبير وعريق كمصر.
عند بحث الأسباب، نجد أن هذا المأزق الأخلاقي الذي وقعت، وتقع، فيه وسائل الإعلام، والنخبة المصرية ككل، يعكس المدى الذي بلغه فشل جماعة الإخوان، وقدرتها العجيبة في استعداء كل القطاعات السياسية والمجتمعية؛ حتى أن أغلب المجتمع المصري ظهر مسانداً تصرفات الأمن والجيش، ومرحباً بها. كأن الجماعة لم يكن بوسعها قيادة مصر وتصدُّر واجهة المشهد السياسي فيها، إلا عبر تغذية الكراهية والأحقاد.
والحاصل أن هذا العداء القائم ضد “الإخوان” في وسائل الإعلام، ووسط النخبة السياسية والثقافية، وداخل المجال الاجتماعي العام، يعكس المناخ المشحون بالكراهية المريعة، وهو مناخ غذته الجماعة نفسها ضد نفسها، وتواجه اليوم تبعات ذلك ضمن فاتورة دماء مكلفة وفادحة.
هناك عوامل أخرى غذت هذا المناخ، وهي عوامل مرتبطة بـ “الدولة العميقة”، التي أظهرت قوة تماسكها وقدرتها على العودة إلى قيادة المشهد، والبلاد بشكل عام. مع ذلك، كان بإمكان جماعة الإخوان تجنب المآل الحاصل، وفرملة اندفاع “الدولة العميقة” نحو العودة لتصفية الحسابات. كان ذلك ممكناً عبر أشياء كثيرة، أهمها تجنب صلف الجماعة من الآخر، ونزوعها نحو الاستئثار بمصر باعتبار الوصول إلى حكمها جاء ضمن “وعد إلهي” بـ “التمكين”!
خلال العامين الماضيين، كان هناك تسابق محموم ضبط إيقاع الحياة السياسية والاجتماعية في مصر. كانت جماعة الإخوان مندفعة للسيطرة على مصر، في مواجهة اندفاع “الدولة العميقة” وسعيها نحو إعادة السيطرة على المشهد العام بشكل كامل في البلاد. وجراء أخطاء الجماعة، اصطفت نخبة البلاد، ومجالها الاجتماعي، مع “الدولة العميقة”، التي أعادت نفسها إلى المشهد كما لو أنها في مهمة إنقاذ مصر، مستخدمة الجيش كحالة وطنية في الوجدان العام. وجراء أخطاء الجماعة، ظهرت عودة “الدولة العميقة” كما لو أنها إنقاذ لمصر بالفعل.

“صحيفة “الشارع”

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com