المنبر الاعلامي الحر

الهدف العاري.. يوم سقوط مملكة النفط

الهدف العاري.. يوم سقوط مملكة النفط

يمني برس:

 

ضربة هائلة وجهها الجيش اليمني وأنصار الله إلى السعودية، خلطت أوراق اللعب للاعبين الرئيسيين في المنطقة، الذين طالما ظنوا –واهمين- أن القوة ملكًا حصريًا، والمبادأة وقفًا على إرادتهم وحساباتهم، ضربة إلى قلب المملكة النفطي، سببت الشلل لصادراتها وبورصتها، ودفنت مشاريع “بن سلمان” وسعيه الحثيث لطرح “أرامكو” أكبر وأغنى شركة على وجه الأرض، أمام مستثمري العالم، بغية التقييم وبيع 5% من أسهمها.

 

الضربة المباركة تسببت فورًا في وقف أكثر من نصف إنتاج السعودية النفطي، البلد المصدر الأول عالميًا، أي نحو 5.7 مليون برميل يوميًا، بالإضافة إلى التأثير على تدفقات الغاز الطبيعي، قدرها وزير النفط السعودي عبدالعزيز بن سلمان –نجل الملك الحالي- بنحو ملياري قدم مكعب، وتراجع إمدادات غاز الإيثان وسوائل الغاز الطبيعي بنسبة تصل إلى حوالى 50%، مع تدمير منشأة “بقيق” الواقعة في أكبر حقل للنفط في العالم “الغوار”، والمسؤولة عن 70% من الإنتاج السعودي اليومي من الخام.

 

وزارة النفط السعودية فورًا أعلنت السحب من الاحتياطيات النفطية، لضمان استمرار الوفاء بعقودها مع المستوردين، وعدم تأثر سوق النفط بالصاعقة اليمنية، في ظل حقيقة أنه لا توجد دولة أخرى تستطيع توفير هذه الكميات الطائلة للأسواق العالمية يوميًا، وباستمرار، الخطوة مفهومة في مقاصدها، إذ تريد امتصاص الصدمة المروعة للضربة اليمنية، وتأثيرها على صورة المملكة التي اجتهدت في رسمها، منذ دخولها الساحة العالمية كلاعب اقتصادي رئيس، بوصفها الدولة المستقرة أمنيًا، ذات السياسات الخارجية الهادئة، أو التي تظهر للعيان هادئة.

 

وجاء إعلان الرئيس الأميركي “ترمب” بالسحب من الاحتياطي الأميركي الإستراتيجي، كخطة لتهدئة الأسواق والبورصات، لا أكثر، فواشنطون لا تريد استنزاف الاحتياطيات، ولا سوابق لها في استمرار السحب منها لمدد طويلة، وهي بالأساس نشأت لتغطية احتياجاتها في وقت أزمة كبرى، وصاحب فكرة التخزين الضخم كان وزير الخارجية هنري كيسينجر، بعد المقاطعة العربية النفطية للغرب، إبان حرب تشرين/أكتوبر 1973، وبالتالي فمن المستبعد أن يستمر الأميركي طويلًا في التضحية بمخزوناته النفطية.

 

لكن، وبعيدًا عن الأسواق العالمية، التي ستفيق من الصدمة قريبًا، فإن السعودية خسرت الكثير في حربها على اليمن، والخسارة مرشحة لتصاعد، بلا ثمة تهويل، ونزفت أكثر من صورتها التي حاولت بنائها على مدى عشرات السنين، ويكفي للتدليل هنا أن دعوات وقف الحج والعمرة تنتشر في الدول العربية والإسلامية، تزامنًا مع استمرار الحرب في اليمن، والجرائم المريعة التي تفوق حد التصور، وتطبع حياة اليمن الصامد يوميًا.

 

القيادة السعودية حاليًا تبدأ أزمتها من عدم إدراكها الموضوعي لطبيعة اللحظة الراهنة، وضياع البوصلة الموجهة أمام تغييرات عميقة طرأت على المشهد اليمني ثم المشهد الدولي، ثم الركون إلى قوة عالمية –هي الولايات المتحدة- تواجه ظرف تراجع إمبراطوري، وتسعى للتمسك بمواقعها القديمة، بعناد ورعونة شديدين، أمام صعود صيني اقتصادي، وخروج روسي متئد وقوي إلى ساحة الأحداث العالمية، كفاعل أصيل، يعيد رسم خريطة تحالفات راسخة، من أميركا الجنوبية إلى الشرق الأوسط وصولا لجنوب شرق آسيا.

 

الرهان على واشنطن صار رهانًا على السراب، فرغم وصول مئات الجنود والطائرات والأنظمة الصاروخية والدفاعية، إلى قاعدة سلطان الجوية جنوب الرياض، وتموضعها منذ نهاية تموز/يوليو الحالي، فإنها لم تتمكن من إيقاف الضربات اليمنية، أو صد الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، التي تمرح في الأجواء، وتضرب متى وأنى شاءت، وصار المشهد في الحد الجنوبي، طوال السنوات الماضية مستنسخًا في بقية مناطق المملكة.

 

المصروفات السعودية الهائلة على التسلح لم تحقق أمنًا أو ميزة، وبالنهاية نشاهد واحدًا من أفقر الشعوب العربية، امتلك من الإيمان والإرادة ما يجعله متفوقًا على السلاح الأميركي، وبأيدي صانعيه أنفسهم، وهو ما يطرح التساؤلات عميقة ومريرة عن جدوى التسلح، إن كان عاجزًا، وهدف المدفوعات الهائلة، إن كانت جالبة للدمار.

 

أما المشهد اليمني، فلا يدرك “بن سلمان”، أن شروط الحرب تغيرت، منذ أن استهدف الطيران اليمني المسير حقل “الشيبة”، في شرق السعودية، وكانت رسالة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي، في غاية البساطة والقوة، أبعد نقاطكم تحت مرمى صواريخنا، وقلب مملكتكم سيكون رهنًا بقرار يمني، يضرب أو يصبر، محولا المملكة إلى الهدف العاري أمام أبطال اليمن، ناقلًا أتون المعركة إلى المجمع النفطي السعودي، واضعًا المهاجم –سابقًا- في حال دفاع مكلف، والأهم: ميئوس منه.

 

(أحمد فؤاد – كاتب من مصر)

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com