المنبر الاعلامي الحر

في مرمى النيران.. تحديات الداخل وأطماع الكيان الصهيوني تُهدد مستقبل سوريا!!

في مرمى النيران..
تحديات الداخل وأطماع الكيان الصهيوني تُهدد مستقبل سوريا!!

يمني برس | تقرير | يحيى الربيعي
اندلعت أحداث دراماتيكية في محافظة السويداء السورية، مع تجدد الهجمات التي شنها مسلحون بدو ضد المقاتلين الدروز، في انتهاك صارخ لوقف إطلاق نار كان من المفترض أن ينهي أياماً من المعارك الدامية التي خلفت وراءها أكثر من 500 قتيل من الدروز والبدو وقوات النظام السوري. هذه التطورات لم تكن مجرد اشتباكات محلية، بل كشفت عن أبعاد أعمق تتعلق بالصراع الإقليمي وتأثير سياسات الكيان الصهيوني الرامية إلى تفكيك سوريا خاصة والمنطقة عامة.

قصة صراع لا ينتهي
تعود جذور التصعيد الأخير إلى حادثة اعتداء على شاب درزي من قبل مسلحين بدو على الطريق بين السويداء ودمشق، تطورت سريعاً إلى مواجهات مسلحة واسعة النطاق. ورغم دعوات الزعماء الدينيين الدروز للتهدئة، تدخلت قوات نظام الشرع، الذي خلف النظام السابق، في محاولة لفرض سيطرته، لكن هذا التدخل لم يؤد إلا إلى تأجيج الوضع، حيث أفادت تقارير المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن بعض قوات النظام قاتلت إلى جانب البدو ضد الدروز.
لقد شكلت هذه الأحداث صدمة كبيرة، خاصة مع التقارير عن ارتكاب مجازر وإهانات بحق الدروز من قبل المقاتلين المنتمين لقوات النظام، وهو ما فاقم من حدة التوتر ودفع بالعديد من أبناء الطائفة الدرزية في الداخل والخارج إلى التحرك. فقد شهدت الحدود السورية الإسرائيلية عبوراً جماعياً لمئات من الدروز من الجولان المحتل إلى الأراضي السورية لمساعدة أقاربهم، في مشهد يعكس عمق الروابط العائلية والتاريخية.

أهداف تتجاوز “حماية الأقليات”
في خضم هذه الفوضى، ظهرت بصمات الكيان الصهيوني واضحة، متجاوزة الادعاء بـ”حماية الدروز والأقليات”. فبعد أن أعلن الكيان الصهيوني عن مهاجمته لدبابات تابعة للنظام السوري في المحافظة، مؤكداً أن ذلك “جاء بهدف تعطيل وصولها إلى المنطقة”، تلا ذلك بيان مشترك لرئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يسرائيل كاتس، الذي شدد على “الالتزام بمنع المساس بالدروز في سوريا بسبب التحالف الأخوي العميق مع مواطنينا الدروز في الكيان الصهيوني”.
لكن هذا الخطاب سرعان ما تكشفت أبعاده الخفية. فالكيان الصهيوني لم يكتفِ بالتدخل العسكري، بل وصل به الأمر إلى شن هجمات في قلب دمشق، استهدفت مبانٍ استراتيجية تابعة للقيادة العامة للنظام، وحتى الجزء الخلفي من قصر الشعب، المقر الرسمي للشرع. هذه الهجمات، التي تجاوزت 160 هجوماً، معظمها في السويداء ودمشق، تشير بوضوح إلى أن الأهداف الصهيونية تتجاوز مجرد “حماية الأقليات” لتصل إلى إذكاء الصراعات على أساس طائفي ومذهبي.

“معادلة الاستباحة”
في هذا السياق المتأزم، يبدو موقف نظام الشرع غير مسؤول، فقد يسهم في تثبيت “معادلة الاستباحة” في دمشق وكل دول المنطقة. ففي خطاب للأمة، اتهم الشرع الكيان الصهيوني صراحة بالسعي إلى “تحويل أرضنا إلى ساحة للفوضى”، وأشار إلى أن “الكيان الإسرائيلي قد فاقم الوضع بأفعاله. منذ سقوط النظام، تحاول تفكيك سوريا”. ورغم هذا الإقرار، فإن قرارات النظام، مثل إسناد مسؤولية حفظ الأمن في المحافظة إلى الفصائل المحلية والمشايخ، وانسحاب قواته بعد اتفاق وقف إطلاق النار الذي لم يلزم سوى النظام، بحسب قائد بدوي، قد أظهرت ضعفاً في السيطرة وفتحت الباب أمام المزيد من الفوضى.
هذا الموقف يشير إلى عجز أو تردد من جانب نظام الشرع في مواجهة التحديات المتزايدة، مما يسمح للكيان الصهيوني بتحقيق أهدافه الخفية في تفكيك بنية الشعوب والأوطان. إن السياسات الخاطئة التي انتهجتها بعض الجماعات المسلحة في تعاملها مع الأقليات، والتي ربما تكون قد استُغلت من قبل الكيان الصهيوني كذريعة للتدخل، أدت إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية، حيث نزحت أكثر من 500 عائلة بدوية، وأفادت التقارير بمقتل مئات الأشخاص، بينهم مدنيون.

سوريا ومأزق الخيارات المحدودة
في ظل التصعيد الإسرائيلي الأخير، الذي بلغ ذروته بغارات على مواقع استراتيجية في السويداء ودمشق، وحتى محيط القصر الرئاسي، تجد الحكومة السورية نفسها أمام خيارات محدودة ومعقدة لمواجهة “معادلة الاستباحة” التي يسعى الكيان الصهيوني لتثبيتها. هذه المعطيات تأتي في وقت دقيق وحساس، تتشكل فيه ملامح حكومة جديدة بعد انهيار نظام الرئيس السابق بشار الأسد، وتجدد فيه الاشتباكات في السويداء بين الدروز والعشائر البدوية.
يُجمع العديد من الخبراء والباحثون في الشأن السوري على أن تعزيز التلاحم الداخلي ومعالجة الشروخ المجتمعية يمثل المدخل الأساسي لتحصين البلاد من التدخلات الخارجية. في هذا السياق، يرى مدير مركز إدراك للدراسات والاستشارات، باسل حفار، أن “الحل الأمثل لمواجهة التصعيد الإسرائيلي هو معالجة الشروخ المجتمعية ونزع فتيل النزاعات، بما يؤدي إلى وحدة سوريا أرضاً وشعباً وبسط سيطرة الدولة بشكل إداري وأمني وسياسي على كافة الأراضي”. ويشير حفار إلى أن “التدخل الإسرائيلي في سوريا يستند إلى وجود شروخ وخلافات مجتمعية بين مكونات الشعب السوري، وهي حالة موروثة من النظام السابق”.
هذه الرؤية تؤكد أن سيطرة الدولة المنشودة ليست أمنية فقط، بل تشمل الإدارة وبسط الاستقرار والرضا المجتمعي بين كل فئات الشعب. فكلما اتجهت السلطة نحو وحدة المجتمع ومعالجة الخلافات من جذورها، منعت فرص التدخل والإساءة إلى سوريا. كما يدعم الباحث في الشأن العسكري عمار فرهود هذا التوجه، مؤكداً أن “الاصطفاف الداخلي على أساس هوية الدولة لا الهويات الضيقة يمثل حائط صد استراتيجياً أمام أي محاولات اختراق أو تفتيت داخلي”. هذا التلاحم الوطني يوسع هامش التفاوض مع الإقليم والدول ويعزز بناء مؤسسة عسكرية تمثل كل مكونات الشعب السوري.
بالتوازي مع التركيز على الجبهة الداخلية، تبرز أهمية تفعيل الدبلوماسية الخارجية كخيار حيوي لمواجهة التصعيد. الباحث في مركز جسور للدراسات وائل علوان يشدد على أن “الحكومة السورية لا تملك في مواجهة الكيان الإسرائيلي خيارات واسعة سوى الاعتماد على الدبلوماسية الخارجية الصديقة لسوريا”. ويدعو علوان إلى “تفعيل أدوار الوساطة لدول مثل أذربيجان وتركيا والإمارات وقطر والسعودية لما لها من تأثير ووزن في المشهد الإقليمي”.
يرى علوان أن الحكومة السورية “يجب أن تدرس المصالح والمواقف الإقليمية والدولية بعمق وعدم استفزاز الأطراف الخارجية بهذا الظرف الحساس”. ويقترح، رغم أهمية الدور الأمريكي في أي تسوية، “ضرورة إعادة تقييم الشركاء الدبلوماسيين والانفتاح على حملة دبلوماسية واسعة تبدأ من عواصم الخليج وتركيا وغيرها”. هذا التوجه الدبلوماسي، بحسب الخبراء، يعكس واقع محدودية الخيارات العسكرية والردعية لسوريا.
يؤكد الخبير العسكري فايز الأسمر أن “خيارات الدولة السورية والرئيس الشرع محدودة جداً، خاصة في المجالين العسكري والردعي، نتيجة الإنهاك الشديد للقدرات العسكرية وتفوق الكيان الإسرائيلي النوعي والكمي”. ويضيف الأسمر أن “أكثر من 85% من القدرات العسكرية الاستراتيجية الموروثة عن النظام السابق دُمرت بسبب الهجمات الإسرائيلية”.
هذا الواقع دفع الرئيس السوري أحمد الشرع، في كلمته فجر اليوم الخميس، إلى الإشارة إلى أن “خيارات المواجهة المفتوحة مع الكيان الإسرائيلي كانت مطروحة، لكن فُضّل التوصل لاتفاق بشأن السويداء بدلاً من التصعيد العسكري الداخلي”. هذا القرار، بحسب الأسمر، رغم أنه يعكس تغليب “مصلحة الشعب والاستقرار بدلاً من الانجرار إلى الفوضى والدمار” إلا أنه اظهر مدى الضعف الذي يعيشه نظام الشرع.

مستقبل سوريا على المحك
المشهد السوري اليوم يعكس بوضوح أبعاد المؤامرة الرامية إلى تفكيك النسيج الاجتماعي للدول، وتحويلها إلى ساحات صراع مفتوحة. فبينما يقاتل أبناء الوطن الواحد بعضهم البعض، يبقى الكيان الصهيوني يراقب ويستفيد، معززاً نفوذه ومحققاً أهدافه الاستراتيجية على حساب دماء أبناء المنطقة ومستقبلهم. إن سوريا، بشعبها وتنوعها، تواجه تحدياً وجودياً يتطلب وعياً عميقاً بالمخاطر المحيطة، وتوحيد الجهود لمواجهة الأجندات التي تسعى إلى تمزيقها.
إن تداعيات هذه الأحداث على مستقبل سوريا جسيمة. فاستمرار الصراعات الطائفية والمذهبية، وتدخل الأطراف الخارجية، يهدد بتقويض أي فرص للاستقرار والتعافي. الكيان الصهيوني، من جانبه، يستفيد من هذه الفوضى لتثبيت “معادلة الاستباحة” في المنطقة، وهو ما أكدته تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي وصف الكيان الصهيوني بـ”الدولة الإرهابية” التي تسعى إلى “تقسيم سوريا” و”استخدام الدروز كذريعة لفرض البلطجة”.
وكان الرئيس السوري أحمد الشرع أكد أن “الكيان الإسرائيلي يسعى منذ سقوط النظام البائد لتحويل أرضنا لأرض نزاع وتفكيك شعبنا”، مؤكداً أنه “لا مكان لتنفيذ أطماع الآخرين في أرضنا وسنعيد لسوريا هيبتها وعلينا تغليب المصلحة الوطنية”.
فهل ستنجح هذه الخيارات المحدودة في وقف زحف “معادلة الاستباحة” الصهيونية، فيبدأ التركيز على مسار بناء الدولة ومقدراتها لتكون قادرة على مواجهة تهديدات الخارج وتمزقات الداخل أم أن سوريا ستظل ساحة مفتوحة للصراعات التي يذكيها الفاعلون الإقليميون والدوليون؟

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com